748: ذاكرةُ دولةٍ تعني لها الثقافة

ذاكرةُ دولةٍ تعني لها الثقافة
السبت 23 حزيران 2012
-748-

مع أنه مولود فيها ولم يسكُنْها سوى أوّل ستّ عشْرةَ سنةً من حياته، ها هي تحتفي بالمئوية الثالثة لولادته فيها (1712-2012) ببرنامجٍ يَـمتدّ طوال هذه السنة (افتتاحاً في 28 حزيران الجاري) ويتوزّع على جميع القطاعات، بتنظيمٍ من “دائرة الثقافة والرياضة في جنيڤ” وبامتدادٍ يشمل سويسرا ويتوسّع خارجها إلى جميع المدن التي زارها أو عاش فيه بعضاً من حياته.
هذه هي العلاقة النبيلة بين مدينة جنيڤ وابنها الكاتب جان جاك روسُّو.
وتعميماً للفائدة إلى أقاصي القراء والمهتمّين أنشأَت الدائرة موقعاً إلكترونياً سَـمَّتْهُ “2012: روسُّو للجميع” وتوجَّهَت به إلى جميع القطاعات: موسيقى، مسرح، تراث ثقافي، فنون تشكيلية ومشهدية، فلسفة، أدب، ترجمة، بيئة، علوم طبيعية حتى علم النبات.
وتحت شعار “روسُّو الجامِع الكلّ” تناول المعنيُّون ما في كتابات روسُّو من قِيَمٍ وشعاراتٍ ومبادئ، وزَّعوها على الحقول والفنون وأَعادوا إلى المدينة قِيَمَها عبر كتابات روسُّو ومبادئه، باحتفالات مجانية طوال هذا العام يُفيد منها المجتمع السويسري بجميع طبقاته العمرية والاجتماعية، أنشطةً وأعمالاً، لجميع الأذواق.
لم يتركوا مدينةً أو دسكرةً مَرَّ بها روسُّو إلاّ وأَشركوها في الاحتفالات. لم يُهملوا الصغار فأنشأُوا لهم أنشطة خاصة. ولم ينسَوا ذوي الاحتياجات الخاصة فجعلوا لهم برامج متخصِّصة، وللصُّمّ البُكْم برامجَ “يَرَون” فيها بالإشارات ما لا يستطيعون سماعه.
أخذوا المواضيع الواردة في كتابات روسُّو ونفَّذوها ميدانياً كي تطال جميع من شاء الكاتبُ بلوغَهم حين كتب مبادئه في العدالة والطِيبة وجوهر “الإنسان الذي يولد بريئاً ثم يُفْسِدُه المجتمع”.
استخدموا جميع الوسائط، المقروءة كتباً ومنشوراتٍ ومطوياتٍ، والمسموعة برامجَ إذاعيةً وأُسطواناتٍ مدمجةً وكتباً سمعيّةً، والمرئية أفلاماً وﭬـيديُوَاتٍ وصُوَراً فوتوغرافيةً ومعارضَ لوحاتٍ ومعارضَ كتُبٍ وملصقاتِ مشاهدَ ومناظرَ واستعاداتٍ بصريّةً من كتُب روسو وشخصياتها وأَشخاصها.
واشتغلت الشركات التجارية فأَصدَرَت منتجاتٍ لها على اسم روسّو لأَغراض إعلانية وإعلامية، حتى أن سويسرا 2012 باتت كلُّها سويسرا جان جاك روسُّو، لا يغيبُ عن سكانها وزوّارها وسيّاحها مَلْمَحٌ واحدٌ عن ذاك الذي أَمضى حياته من ملاحقةٍ إلى هرب، ومن تنقُّلٍ إلى لُجوء، بسبب أفكاره وآرائه التي كانت في عصرها من الـ”تابو” خارج العصر.
تكريم هذا؟ كلاّ.
بل أهَمُّ وأبقى.
إنه الدليلُ على ذاكرةِ دولةٍ تَعني لها الثقافةُ، فتعرف كيف تترُك لذاكرتها علامةً خالدةً أضاءَها كبيرٌ منها وُلِدَ قبل ثلاثمئة عام، ويعود هذا العام حاضراً كما لم يكن حاضراً فيها حتى على حياته.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*