746: بساطة الحُب تُضيء جائزة كبرى

بساطةُ الحُب تُضيءُ جائزة كبرى
السبت 9 حزيران 2012
-746-

قال لها: “لن أَتركَكِ مدى العمر”. أَجابَتْهُ: “وأَنا لا أَقدر أَن أَعيش من دونِكِ”.
من تلك العبارة الدافئة نسج مايكل هانْكِه فيلمَه الأخير “حُبّ”، وصاغ قصة العجوز جورج (جان لويس ترينتينيان – 81 سنة) وزوجته آنّا (إيمانويلاّ ريـﭭـا – 85 سنة)، تقاعدا من تدريس الموسيقى، ولهما ابنةٌ (إيزابيل هوﭘّـير) متزوجة تعيش بعيداً عنهما. تصاب آنّا بصعقة مَرَضيّة عرّضت حياتها لاقتراب الموت وجعلت زوجها يُمضي أقسى أيام شيخوخته إلى سرير زوجته التي يجمعه بها حبٌّ غير عاديّ.
بهذه القصة البسيطة الشكل العميقة المضمون، تمكّن النمساوي مايكل هانْكِه قبل أيام (للمرة الثانية في مسيرته السينمائية بعد أُولى سنة 2009) من نيل السعفة الذهبيّة في مهرجان “كانّ” هذا العام عن فيلمه الرائع “حُبّ”.
في حديثٍ صحافي عن تغيير نَـمَطه السابق في أفلامه المعروفة بمشاهد القوة والعنف والخطر، أجاب أَنّ على المتلقّي اعتبار موضوع الفيلم لا نهج مخرجه، وأنه هذه المرة انحاز الى الحب بعد حادثة شخصية جرت له في أُسرته.
ها بساطةُ الحب تضيء جائزة كبرى في مهرجان كبير لمخرج كبير لم يعتمد مشاهد معقَّدة ولا خِدَعاً سينمائية مدهشة ولا سيناريو قصةٍ متداخلاً، بل ذهب إلى أقصى البساطة. وأجمل هذا الأقصى: الحب.
نتذكَّر فيلم “قصة حب” وما كان فيها من بساطة. نتذكَّر “إلى أستاذي مع حبي” وما فيه من شغف الحب بين أستاذ وتلميذته. نتذكَّر “رجل وامرأة” وما في حبِّهما من ولهٍ رائع. نبعد إلى التاريخ فنتذكر “روميو وجولييت” وما تم نسجه منها طوال عقود وأجيالٍ أفلاماً ومسرحياتٍ وأوﭘـّرا وباليه وسائر الفنون، وجميعها تُتَوّج هالة الحب وعشق الحبيبَين.
بين زحمة أفلامٍ تعتمد المشاهد العنيفة والقصص الـﭙـوليسية والمخابراتية والخلفيات السياسية والاجتماعية، يطل الحب، كلّما أَطَلّ، ليُعيد الإنسان إلى عاطفته الأولى، إلى بساطته الأُولى، إلى إنسانيته الأُولى التي تذكّر دائماً أنّ اللحظة الحميمة بين الإنسان والإنسان هي التي تبقى بعد أَن تغيب سائر العواطف.
إنه الحب!
الحبُّ الذي أَضاء الإنسان الأول ولا يزال، والذي ألْـهَمَ الشعراء ولا يزال، والذي شَدّ القلب إلى القلب ولا يزال.
إنه العاطفة التي تمضي بها أجيالٌ بعد أجيال، وتظل رابطاً جامعاً في كل جيل، كلما رَفَّتْ عينٌ عاشقة، وخَفَقَ قلبٌ هيمان، وَعَنْدَلَ شاعرٌ، وكتبَ سينمائيٌّ فيلماً بسيطاً نال عليه جائزة سينمائية غير بسيطة في مهرجان عالَـمي غير بسيط كمهرجان “كانّ”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*