إفطار على العُشْب… إنكار على الشَعْب
السبت 21 نيسان 2012
-740-
من فَرادات الفنّ التشكيلي (الرسم نموذجاً) تعبيرُه خَطّاً ولوناً بأَبلغَ من الكلمات وربما بأفصح.
الـ”إيكونوميست” اللندنية تَوَخَّت هذا الفنّ في غلافها قبل الأخير بنشرها لوحةَ الرسام الفرنسي إدوار مانيه “إفطار على العُشب”، مستخدمَةً فيها المرشَّحَين الرئاسيَّين الفرنسيَّيْن نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند.
أَصلُ اللوحة كما وضعَها مانيه: امرأةٌ عاريةٌ بالحجم الطبيعي جالسة بين رَجُلَين بكامل لباسهما، وفي البعيد امرأة أخرى طالعةٌ من استحمامها في النهر.
غلاف الـ”إيكونوميست” أبقى على المرأة العارية وتلك التي ترتدي ثيابها بعد الحمّام، واستَبْدَلَ رأْسَي الرجُلَين برأْسَي الرئيس ساركوزي وخصمه هولاند، مع هذا التعليق: “فرنسا في الإنكار- الانتخاباتُ الأَكثرُ خفَّةً في أوروﭘـا”. وفي افتتاحية رئيس التحرير أنّ “الـمُقلقَ أكثر من خفَّة هذَين المرشَّحَين: تقديمُهما عروضاً وبرامجَ مستحيلة التنفيذ”. وفي مقال الغلاف أنّ “فرنسا في حالة نوم. إن لم تنهضْ سريعاً إلى إصلاحات فورية فستغرق حتْماً وسط أزمة اليورو المقبلة”… “من المألوف لدى الساسة خلال حملتهم الانتخابية أن يتجاهلوا بعض الاستحقاقاتٍ، إنما لم تعرف أوروﭘـا مَن تجاهل الاستحقاقات كلياً كالساسة الفرنسيين”.
ذكاءُ هذا الغلاف أنه اختار لوحة رمزاً لدى الفرنسيين، أَحدثَت جدلاً حال دون عرضها في “معرض باريس 1862” فعَرَضَها مانيه سنة 1863 في “معرض المرفوضين”. ويومها انتصر إميل زولا للرسام معتبراً أنّ “أهمية اللوحة في مضمونها لا في امرأتها العارية بين رجلَين مرتديَيْن مسترخيَيْن على العشب”.
الجدل إياه يَـحدُثُ اليوم حول ساركوزي وهولاند المقتحِمَين الانتخابات الرئاسية الفرنسية مسترخِيَين على الشعب (لا العشب) كأنْ لا هَمَّ لديهما إلا الانبهار أمام فرنسا عاريةٍ من كُلّ هَمٍّ اقتصاديٍّ وماليّ، وانتظار “اللحظة الحاسمة” نهار الاقتراع.
هذه الـﭙـاروديا للوحة مانيه، في استخدامها الفنَّ لغَرَضٍ سياسيٍّ باستعارة الجدَلَ العقيم حول اللوحة سنة 1863 لرمزها إلى الجدل اليوم حول إصلاح عقيم يعرضه المرشَّحان الفرنسيان، “خبطة” صحافية ذكية من صحافة ذكية عرفَت كيف تستنبط الوسيلة لتبرير بلوغ الغاية. فمقال الغلاف لم يتوقَّف عند اللوحة كتُحفةٍ فنية بل انطلاقاً منها، ومن رأْسَي المرشّحين المسترخيَيْن الذاهلَيْن أَمام جسَد السيدة العارية، غاص على تحليلٍ معمّقٍ دلَّ على عُمْق معضلة اقتصادية ومالية تعصف حالياً بأوروﭘـا اليورو، ولا تواجهها فرنسا الانتخابات الرئاسية بحلول ومخارج.
أَيضاً وأَيضاً: الفنُّ الصامتُ أَبلغُ من الكلمات الناطقة، والصحافةُ الذكيّةُ هي التي تتناول جدلَ السياسيِّين الناطقين ثاقبةً إياه بعملٍ فنيٍّ، مدلولُه الرمزيُّ أَفصحُ من وُعُودهم الدونكيشوتية.