تلك المتفوّقات الأكثر سُلطَةً وتأثيراً (2/2)
السبت 24 آذار 2012
-736-
بعيداً عن الرومنسيات المحيطة بـ”عيد الأُم” و”أول الربيع”، تتّخذ المناسبة إطاراً آخر أكثر التصاقاً بالعصر.
الأُم اليوم باتت عنوان بطولة تضاف إلى جميع مزاياها الشاعرية.
الأُم البطَلة بجميع معاني الشَّجاعة.
الأُمّ السويدية الشُّجاعة “كوراج” التي في مسرحية بريخت (1941) راحت في ساحات “حرب الثلاثين سنة” بين السويد وﭘـولونيا، تجر عربتها ومعها أولادها الثلاثة، تبيع وتشتري أيّ شيءٍ كي تؤمِّن عيش أولادها وتنقذَهم من الجوع.
الأُمّ الأميركية الشُّجاعة ستيفاني ديكر التي قبل أسابيع ارتمت فوق ولدَيها القاصرَين تحميهما من إعصارٍ رهيبٍ ضرَب مدينة هنريـﭭـيل (ولاية إنديانا) فاقتلع البيت حِطَماً مهشَّمة واقتلع قدمَي الأُم لكنها أنقذت من الموت ولديها بضمِّهما إلى ضلوعها.
ومن شجاعة الأُمّ إلى غضَب المرأة على ظلم يجتاح الأُمومة والأُنوثة.
الزوجة المغربية القاصر التي انتحرت قبل أسابيع لأن ذويها أرغموها على الزواج من مُغْتصبها، والقانون المغربي يسمح بهذا الزواج لــ”ستر الفضيحة” و”صون شرف الأُسْرة”.
الشابة المصرية سميرة ابرهيم التي وقفت في وجه جلاَّديها العسكريين لأنها صاحبة قضية “كشف العذرية”.
ومن الأُمّ والزوجة إلى الربيع.
أول الربيع العربي بدأ في بيروت التي “تَـمَلْيَن” إليها اللبنانيون في آذار 2005 يعلنون الــ”لا” الغاضبة في ساحة الحرية، وبينهم أمهات جئن بأولادهنّ يَشهدون ويُشاهدون، ومن نموذجها اندلعت شرارة “الربيع العربي” في عواصم غاضبة شهدت شوارعها وتشهد غضب ملايين بينهم أُمّهاتٌ جئن بأولادهنّ يَشهدون ويُشاهدون و… يَستشهدون من أجل الحرية.
هذه هي الأُمُّ اليوم. الأُمُّ الجديدة. لا الأُمُّ التي تخاف على أولادها فتخبِّئُهم ولْيَصِرْ ما يصير، بل تأتي بهم ومعهم إلى ساحات المصير كي يتغيَّر عن ظلمه وقهره مسارُ المصير.
عيدُ الأُمّ منذ اليوم، فلْيَكُنْ عيدَ الأُم الشُّجاعة البطَلة العظيمة التي تدفع بأولادها إلى المقاومة لأن الكرامة أقوى من العاطفة الرومنسية، ولأن الذلّ لا يبرِّر الاختباء وراء حرص الأُمومة على سلامة أولادها، ولأن التضحية الحقيقية لا تكون في حماية الأولاد من الخطر بل في حماية الوطن من الخطر ويكون أنْ لا بُـدّ من شهادةٍ واستشهاد.
عيدُ الأُمّ، أَوّلُ الربيع، مناسبةٌ واحدةٌ لنَشهَد على الأُمّ الشهيدة، وأُمّ الشهيد، والأُمّ الشجاعة البطلة، عنواناً واحداً للعيد الجديد.
عندئذٍ يكون عيدُ الأُمّ ربيعاً جديداً لفصلٍ جديدٍ من عُمر الوطن، ويكون أولُ الربيع أولَ خطوة نحو أُمومة الحرية.
فالربيع مع الذلّ خريفٌ كئيب، والربيع مع الحرية فَــرَحٌ دائم لأُمومة العُمْر.