ذاهبٌ بعيداً…
أتهادى على الأمواج الطريّة
السبت 10 آذار 2012
-734-
أجمَعَ رفاقُه على وداعه بفجيعة الخسارة والغياب. وتذكَّروه بينهم منذ السنوات الباكرة في مَعْلَمٍ رائدٍ كانَهُ تلفزيون لبنان.
وَرَوَوا: لـم يُتَحْ له، معماراً، أن يُنشئ إلاّ مبنى واحداً في حياته (تلـﭭزيون لبنان سنة 1959) أشاح بعده عن هندسة البناء ليُهندس شاشة تلـﭭزيون لبناني شَعّ من بيروت على الشرق العربي فكان الأول وسجَّل للبنان حضوراً سبّاقاً بين دول المنطقة.
وأخبروا عن حضوره الباكر في قطاعاتٍ فنية متنوعة: كتابة سكتشات لمسرح الشانسونييه، إعداد برامج (معظمها فرنسي) وتقديمها، عمل صحافي أسبوعي، دخول الإعلان وبروزه فيه ناشطاً وناجحاً على ريادة.
لكنّ جميع تلك الـ”أَعلاه” تبقى دون هويته إن لم تُتَوَّج بقلمٍ له مميز كان يستقي من نبع واحد: الفرح. من هنا قولَتُهُ: “حين نُبدع نَشعر بالفرح، والفرح يقودنا إلى النجاح”.
منذ قصائده الأُولى وما كتب بعدها شعراً ونثراً، وذكريات ومذكّرات، وقصصاً وحكايات، ومونولوغات وأغنيات، كان تحت جناح الفرح، ساخراً مرةً ضاحكاً مرات، وفي جميع حالاته كاتباً من مستوى عالٍ، في فرنسية مشرقة وأسلوب سائغ، حين أصدر بهما “مجموعات” أعماله (ثمانية أجزاء) أرجَع استلهامه الأول إلى عين المريسة ومحيطها الذي كم ألهم ريشاتٍ وأقلاماً.
وإذا أحبّاؤُهُ ودَّعوه رجلَ صحافة وإعلام وإعلان، فسيبقى منه قلم وجداني عميق نسج مناخاً من الأدب الفرنكوفوني الطليّ، غذّاه منذ راح بدءاً من سنة 2000 يكتب يومياً على صفحته الإلكترونية خواطرَ قطَفَت ردوداً ضاعفَت حيويته بالتواصل اليومي مع قرائه عبر الإنترنت.
جان كلود بُولس، بعيداً عما سيغيب معه من سخرية ومرح وفرح، يبقى منه شعر فرنسي كلاسيكي التزم فيه الأوزان التقليدية ليخرج منها غير تقليدي: مفكّراً فارسَ قلمه وكلماته في صفاء التعبير ومتانة التركيب.
من غريب المصادفات – ونحن ودّعناه قبل أيام – أن يكون هو نفسُه أعلن الوداع الأخير منذ أول قصيدة له (1947)، جاء في مقطعها الأخير:
“أيتها الذكرياتُ المكسورة:
هل يوماً تعودين
تُـهدّئين أنين وحدتي، توقظين حبي
تخفّفين آلامي، وتخطفين أحزاني؟
هل يوماً تعودين؟
أم انني بدون جدوى أبقى على انتظار؟
ها أنا راحلٌ مغادراً هذا العالم…
ذاهبٌ بعيداً أتهادى على الأمواج الطريّة
حاملاً معي ابتسامتكِ الحنون،
وتاركاً بعدي… أجملَ الذكريات”.
وهو فعلاً ترك وراءه أجمل الذكريات وأخذ معه غيوماً رمادية.
ويا رُبَّ ساخر ضاحك يخفي وراء ضحكه أو إضحاكه غصّة حزن عميق لا يكشفه غيرُ الشعر.