الحلقة 1036: … واستقال وزير الثقافة
الأربعاء 22 شباط 2012
بعد استقالة وزير الطاقة البريطاني قبل أيامٍ انصياعاً لكرامة وزارته والقانون، ها هو وزير الثقافة اليوناني پاڤلوس غيرولانوس يستقيل الأسبوع الماضي انصياعاً لكرامة وزارته بعد اكتشاف سرقةِ متحفٍ صغير جنوبيّ البلاد، في المكان التاريخي الذي شهد ولادة الألعاب الأولِمپية الأُولى سنة 776 قبل الميلاد.
عند تَلَقّيه النبأ لم يطرح الوزير الصوتَ على المواطنين كي يساعدوا في اكتشاف اللصوص، ولا أطلق حملة إعلانية في التلڤزيون لإنقاذ المتاحف من السرقة، بل أسرع إلى المتحف على 340 كلم من العاصمة أثينا، ليكتشف أن لصَّين مُقَنَّعين قيَّدا حارسة المتحف (امرأة في الخمسين من العمر) وحطََّما خزائنَ زجاجيةً حاويةً آثاراً ترقى إلى القرن الثامن قبل المسيح، وَحَمَلا ما استطاعا حَمْلَه من قِطَعٍ صغيرةٍ برونزية وفخارية وصلصالية وتماثيل صغيرة وأوانٍ ومصابيح تعود إلى 3200 سنة، وختْمٍ نادرٍ يعود إلى العصر البرونزي.
عند عودة وزير الثقافة إلى العاصمة لم يذهب إلى بيته ولا إلى الوزارة، ولم يقف مصرّحاً أمام كاميرات التلڤزيون، بل قصد رئيس الوزارة لوكاس پاپاديموس وسلَّمه كتاب استقالته.
قبل البحث في تحديد المسؤولية، وقبل تشكيل لجانٍ للاستقصاء، وقبل انتظار نتائج التحقيق، وقبل التصاريح الدونكيشوتية للصحافة والإعلام بعزمه “العَنْتَرِيِّ” على المضيّ في التحقيقات حتى آخرِها، قدَّم وزيرُ الثقافة استقالته، معتبراً هذه بادرةً طبيعية كما يحصل في بلدان العالم الحضارية: أن يستقيل المسؤول بصرف النظر عن حجم مسؤوليته أو مستوى تقصيره أو درجة إهماله.
غداة السرقة صرّح مدير المتحف يانّيس ماڤريكوپولوس أن عصر النفقات الذي فُرِض على الوزارة – بسبب إجراءات التقشُّف في الميزانية منذ انهيار الاقتصاد اليوناني قبل خمس سنوات – تسبّب في تقليص أمْن المتاحف من 4000 حارس إلى 2000، وأُرغم المصروفون على التقاعد المبكر. وصرّح رئيس بلدية المدينة أفتيميوس كوتزاس أن الإجراءات التقنينية التي فرضها على اليونان الاتحادُ الأوروپي وصندوق النقد الدولي توفيراً في ميزانية الدولة خوف إفلاسها، ولّدَت ضعفاً في أجهزة أمن الحراسة على المتاحف والمواقع الأثرية، ما يهدّد التراث اليوناني الثقافي، وهو جزء رئيسي من التراث الثقافي العالمي. وطالما لا ميزانيةَ جديدةً لتوظيف حرّاس جدد، فستبقى المتاحف والمواقع الأثرية عرضة للسرقة والاعتداء.
وزير الثقافة اليوناني، قبل أن يتَّهم أحداً أو يَتَحَجَّج بتقصير عاملٍ صغير أو حارسٍ بسيط أو موظفٍ عادي أو مديرٍ مراقب، وقبل أن يضع الحقّ على تدابير الاقتصاد، أو ضآلة ميزانية الوزارة، وقبل أن يطالب الدولة بتدابير احترازية مسْبَقة تَدارُكاً لأيّ خطر أو كارثة طبيعية أو لصوصية، قدّم استقالته لأن المسؤول المسؤول يظلّ مسؤولاً طالَما يُشَرِّف مسؤوليته، وحين يَهرُب أو يتَهَرَّب، لا يعود يستاهل شرف المسؤولية.
علامةُ المسؤول المسؤول أن يكون مرآةَ مسؤوليته وقُدْوَةً لِمرؤوسيه حتى إذا أخطأوا حاسَبَهم من خلال قُدْوته وسلوكه لا من خلال سلطةٍ يعطيه إياها القانون فيستخدمها تسلُّطاً وامتلاكاً وتَمَتْرُساً عنيداً في مقعد المسؤولية.