الحلقة 1029: أَطْوَل من الشِّيش وأَدسَم من الحمّص
الأربعاء 4 كانون الثاني 2012
في الأَيّام الأخيرة من السنة المنصرمة كثُرَت برامجُ التلڤزيون التسلوية، وتَهافَتَ المشاهدون على المحطات الكثيرة يقلّبون بينها بَحثاً عن سهرة تسليةٍ مُمتعة، أو رائين في التوقُّعات، أو عن حفلة غنائية لنجوم الشاشة والمسارح والمطاعم والقهاوي.
وإن كان هذا دأْبَ الناس في فترة الأعياد – وهو حقُّهم في الترفيه والتسلية – فعلى الأقلّ أَلا يبثَّ مقدِّمو هذه البرامج معلوماتٍ للمشاهدين منقوصةً أو مشوَّهَةً أو من دون تدقيق، بل عليهم توسيعُ مضمونها إلى الأكثرِ فائدةً وإعلاماً.
أَسوق هذا الكلام لأن مقدِّمَ برنامجٍ على إحدى الشاشات، في سهرةِ عيدٍ من سهرات الأُسبوع الماضي، أراد أن يسترجع أبرزَ ما حدَثَ في لبنان خلال 2011 ظواهرَ ومناسباتٍ وأحداثاً، فلم يَجِدْ ما يذكُرُه سوى أنّ لبنان سنة 2011 دخل موسوعة “غينيس” بـ”أطْوَل شيش لحم”، وبـ”أكبر صحن حمّص”. قالها بصوت جَهيرٍ استدعى تصفيقَ مَن كانوا في الستوديو مبتهجين بِما ظَنُّوا وطنَهم حقّقه كإنْجازٍ عالَمي.
إنْجاز عالَمي؟؟؟ هل هذا كل ما حقّقه لبنان عالَمياً سنة 2011؟؟؟
يبدو أن المقَدِّم “الثّقيفَ” لم يتناهَ إليه أن أمين معلوف، كاتبَنا اللبناني العالَمي الذي قطف جائزة غونكور سنة 1993 على روايته اللبنانية “صخرة طانيوس”، فاز بالتصويت العام على دخوله الأكاديميا الفرنسية هذا العام، وهو مَجدٌ غيرُ عادي للبنان أن يدخل كاتبٌ لبناني إلى “مقاعد الخالدين”.
ويبدو أن المقدِّم لم يسمَع بأن الشاعرة اللبنانية ڤينوس خوري غاتا نالت قبل أسابيع جائزة “غونكور” للشعر عن سنة 2011 وهو تكريس دوليّ لشاعر ينال هذه الجائزة الفرنسية العالَمية.
ويبدو أن المقدِّم لم يقرأْ عن نَجاحٍ دولِيٍّ لفيلم نادين لبكي “… وهلّق لَوَين؟” الذي حقَّق إيراداتٍ في لبنان قياسيةً فاقت فيلمَها الأَوّل “غزل بنات”، وقد ينال قريباً جائزةً سينمائيةً عالَميةً كبرى، بعدما فيلمُها الأول لَعِبَ في معظم صالات المدن والعواصم الكبرى في العالم.
ويبدو أن المقدِّم لم يتذكّر أنّ صيف لبنان 2011 كان مزْهِراً بِمهرجاناتٍ لبنانيةٍ ودوليةٍ على مسارح لبنانَ استقطبَت كبارَ المغنَين والموسيقيين والراقصين والممثلين قدّموا على مسارحنا حفَلاتِهم المزدحمةَ بالجمهور الواسع.
هذا بعضُ البَعض من لبنان 2011 كي لا نوغل في التّعداد طويلاً، عن التماع لبنان إبداعياً في هذا الشرق، وسْطَ نيران ما يسمى بـ”الربيع العربي” الذي لَم يتلمَّس بعدُ الزهورَ الناجيةَ الأُولى من حرائق الشوارع الغاضبة.
طبعاً نُقَدِّر عملَ العاملين على دخول “موسوعة غينيس”. فالمطاعم اللبنانية والمآكل اللبنانية هي الأُخرى ذاتُ شهرةٍ عالَميةٍ لا نَستهينَنَّ بها، ذاتِ جَذْبٍ سياحي مساعد، إنما لا أَن تقتصرَ أَجندَةُ لبنان 2011 على صحن الحمّص وشيش اللحم، فهذان يُمكن أن يفوزَ بِهما غداً أيُّ بلدٍ آخَر، بينما الإبداعُ اللبناني والعقلُ اللبناني والابتكارُ اللبناني مثلَّثٌ يتفرّد به لبنان: لافتاً في مُحيطه، ورائداً في هذا الشرق.
وهذا هو لبنانُ الحقيقيّ الأرقى والأبقى والأنقى.