الحلقة 1027: سيّارة لأزمة السير
الأربعاء 21 كانون الأول 2011
بعدما بلديةُ پاريس، قبل سنتَين، فتَحَت خطاً خاصاً للدرّاجات الهوائية (vélib)، فخفَّفَت زحمة السير في شوارع پاريس، أعلن رئيس بلدية پاريس برنار دولانُوِيه قبل أيام تنفيذ خطة جديدة للتخفيف أيضاً من زحمة السير.
إنها ظاهرةُ سيارة صغيرة (autolib) يَدفع مستعمِلُها على عدد ساعات استخدامها. وفروع الشركة متوفرة في كل حيٍّ من العاصمة، قريبةً من أيّ مكتبٍ أو مؤسسةٍ أو شركةٍ يرغب موظَّفوها في استعمال سيارة “أُوتوليب” الصغيرة، يتنقلون بها في أحياء العاصمة من مكتبهم ويعيدونها إلى أَقرب مَحطة من نقطة وصولهم. ونظراً لصِغَر حجم السيارة، يبلُغ مستخدمُها نقطةَ وصولِهِ في سُهولةٍ أكثر، ويَركُنُها في مَحطّتها ويعود بِأية سيارة “أُوتوليب” أُخرى من المحطة عند رغبته في العودة.
و”أوتوليب” (تصغير autolibre) تعني “السيّارة الحُرَّة”، أي الطليقة من أيّ التزامٍ بها عدا قيادتِها. فشركة “أُوتوليب” تتولى مصاريفَ التصليح والصيانة والتأمين وكلَّ ما يصيب السيارة من مشاكل وأعطال، وتريح سائقها من بدَلِ استئجار سيّارة عادية ومصروفِ البنزين وإيقافِها أو دفْعِ تعرفة المواقف العمومية. آخر الشهر يدفع بِاحتساب عدد ساعات استعماله السيارة.
إذن توفِّر سيارة “أُوتوليب” عناء البحث عن مكان لإيقاف السيارة في شوارع مكتظّة، ودفعَ مُخالفات “مَمنوع الوقوف”، وتلوُّثَ جو المدينة بالغاز الكربوني وزمامير السيارات وضجيج مُحرّكاتها. ودلَّت الإحصاءات أنّ كلّ سيارة “أُوتوليب” تَحلُّ مكانَ 6 سيارات تتجوَّل في الشارع، ومكانَ20 سائقاً يستخدمون سياراتِهم للتَّجَوُّل بِها في شوارع العاصمة.
هكذا تَمَكَّنَت بلدية پاريس من إيجاد حَلٍّ جديدٍ لِمشكلة زحْمة السَّير المضْنيَة في شوارع العاصمة، فزادت فائدة النقل العام في المدينة، وقلَّلَت من مصروف السيارة الخاصة، وحَسَّنَت وضعاً بيئياً مستديماً في العاصمة. وإذا تنفيذُ هذا المشروع بدأَ قبل أيام، فهو حتماً نتيجةُ أَفكار وأَبْحاث ودراسات واستقصاءات واستفتاءات وإجراءاتٍ واستبيانات ميدانية واستمارات كثيرةٍ آلَت في نتيجتها إلى إيْجاد هذه الصيغة العملية المفيدة بوضع سيارات “أُوتوليب” في التداول، فتنفسَّت شوارع پاريس أكثر فأكثر من اختناقها في غابة السيارات وما ينتج عنها من تلوُّث السمْع والجوّ والبيئة.
هذه الظاهرة التي تُخَفِّفُ التلوُّثَ وزحمة السير في پاريس، وتَمتدّ قريباً إلى كلّ فرنسا فأُوروپا، نلفت إليها مؤسساتٍ عندنا وبلدياتٍ وشركاتٍ يمكن أن تستخدمَ هذه السيارات الصغيرة فتُخفِّفَ من زحمة السير وتلوّث المدينة بدخان السيارات، وتُوفِّرَ الكثير من وقت تنقُّل أفرادها، وتُحسِّنَ في إدارة أعمالها ومردود مواردها البشرية، وتقلِّلَ من أَعذار التأخُّر بسبب زحمة السير، أو انعدام أماكن ركن السيارات في مواقف عامة مكتظَّة يستحيل الدخول إليها إلا للمشتركين.
هذه الحلول من الدُّوَل الأوروپية لسكانها، نَماذجُ ناجحةٌ تساعدنا على التفكير في حلول ناجعة تتطابق وما في مُجتمعنا من ظروفٍ وبُنْيَةٍٍ تَحتية، عوَضَ هدْر الوقت بتقاذُف التُّهَم والتأَفُّف المتواصل من إهمالٍ يتلافاه المسؤولون بالبحث عن حُلول تَخدم الشعب وتضاعف إنتاجية ساعات العمل، وتُزيل مُعَوِّقاتٍ صعبةً، في طليعتِها عندنا مشكلةُ زحمة السير.