الحلقة 1009: “حادث فرديّ”
الأربعاء 17 آب 2011
من طبيعة الأحداث الأمنية حين تقع، أن تبادر الأجهزة المختصّة إلى الاطّلاع، فالتحقيقِ، فنشْرِ النتيجة حتى يطَّلع الرأي العام على ما جرى، ويتابعَ كيف يأخذ العدل طريقه إلى الفصل والحكْم والقضاء.
من هذه الأحداث ما يكون فردياً، ومنها ما يكون جماعياً، ومنها ما يكون تخريبياً إرهابياً.
ولكلٍّ من هذه الحالات الثلاث طرائقُها في المقاربة والمعالجة.
لكنّ الحاصل عندنا، في الآونة الأخيرة، أن تُطلَقَ على الحادث الأمني صفةُ “حادث فردي” أياً يكن نوعه. فحادث الصدم حادثٌ فرديّ، وحادث قتْلِ زوجٍ زوجتَه حادثٌ فرديّ، وحادثُ تفجير يقتل مسبّبيه حادثٌ فرديّ، ويستسهل المسؤولون ذلك فينسبون إلى الحادث أوصافاً تخفيفية من نوع “خلاف عائلي” أو “خلاف تجاري” أو “خلاف مادي”، وينتهي الأمر بأنّ هذا “حادثٌ فرديٌّ” لا يعني إلاّ صاحبه، ولا يشغلنَّ أحدٌ بالَه به، فـ”الموضوع قيدُ المعالجة، والتحقيق جارٍ، والوضع تحت المراقبة”.
لكنّ واقع الأمر ميدانياً أنْ لا الموضوعُ “قيد المعالجة”، ولا التحقيقُ مرشَّحٌ دائماً ليكشِف أو ينكشِف، ولا الوضعُ تحت المراقبة كما يُشاع ويُقال ويُصَرَّح. وهذا النوع من التصاريح: استخفافٌ بعقول المواطنين، ومَسٌّ مباشَر بالعدالة عندنا ونحن نؤمن بها، ونعرف أنها قادرةٌ جداً حين يكون سيفُ العدل وحدَه فوق الحالةِ ولا سيوفَ أخرى فوقَه أو قبالتَه، ونحن نؤمن بالجسم القضائي عندنا شرط ألاّ تكون في كواليس الأقواس عيونٌ مَخفيةٌ تَنْتَظِر أو تُنَظِّر أو تَنْظُر شَزَراً أو تَحدّياً أو تهديداً.
أسهلُ الأسهل أن ينطِقَ المسؤولون بعبارة “حادث فرديّ” ليَطوُوا الملفّ والصفحة والقضية، ولو كان هذا الحادث الفرديُّ ذا خلفيّاتٍ أبداً ليست “فردية”، ودوافعَ أبداً ليست “تجارية” أو “عائلية” أو “مالية”. وهذا يؤدّي إلى فقدان الثقة بالدولة وشفافيّتها ومصداقيّتها، ويزيد من الشكوك في تقاريرها الرسمية.
ومتى بدأنا نشكّ بأن الحادث ليس فردياً كما يُطَمْئِنُ المسؤولون، نكون دخلنا في شكٍّ أكبر، يطال جميع أقوال المسؤولين، ويبلغُ حدّ الكُفْر بما نسمع، ويتطاولُ حتى يضَعَنا في حلقة مفرَغَةٍ من دوّامة فاسدة سَيَّسَت كلّ شيء، وقسَّمت الناس أفرقاءَ انتمائيين أو أزلاميين أو استزلاميين أو مَحاسيبيّين، فلم نعُدْ نصدّق أنّ هذا الحادث أو ذاك هو “حادثٌ فرديّ” لأن خلف هذه العبارة إخفاءً لحقيقةٍ أكبر، أبعدَ كثيراً من الفرد الذي وراءَه فردٌ، ووراء هذا الفرد أفراد، ووراء هؤلاء الأفراد جهاتٌ قد تكون محليةً وربما عربيةً وربما إقليميةً، ولا ينتهي المسلسل، والمواطنون على قَلقٍ وكُفْرٍ وغضَب.
وما أخطرَ أن يبلغ السياسيون حدّاً يَجعل مواطنيهم لا يعودون يصدِّقونَهم مهما قالوا ومهما فعلوا، فيكون هؤلاء السياسيون استحقّوا ضريبة اقترافِهِم ضَلالَ أن يرتجلوا تصاريحَ متسرّعةً من طراز… “حادث فرديّ”.