الحلقة 1007: إنه الحوار للحوار
الأربعاء 3 آب 2011
لا يزال السياسيون عندنا يطلقون كلاماً في السياق السياسي يريدون به تلميحاً يأتي بعيداً عن الحقيقة والجوهر، كأنْ يقوم بينهم مَن يقولون إنّ هذا “كلامُ شِعر” ليقصدوا أنه غير واقعي بالمفهوم السياسي. وهُم لا يدرون أن الشعر يأبى أن يجعلهم في جنَّته.
في هذا السياق نفسه طالَعْنَا في الصحُف قبل أيام تصاريحَ عن التردُّد في العودة إلى اجتماع “هيئة الحوار الوطني”، كي لا تكونَ النتيجةُ على طريقة “الفن للفن”.
وهذا المنطق السياسي يقصد: كي لا يكون الاجتماع مجرد “الحوار للحوار”، أي بلا جدوى، ومن دون نتيجة.
مقولةُ “الفن للفن” ليس هذا معناها على الإطلاق: فـ”الفن للفن” ليس أبداً أَداءً بدون معنى ولا جدوى ولا نتيجة. بل على العكس تماماً.
هذا الموضوع (كان أولَ من طرحه الفرنسيُّ تيوفيل غوتييه، أحد أعلام الأدب والشعر والرواية والنقد في القرن التاسع عشر، ضمن تيار پارناسي في الأدب والفن) يقوم على أن “غاية الفن هو الجمالُ والبحثُ عن الكمال”.
ورأى بودلير أنْ كان عند غوتييه هاجسان: الشهوة والموت. وليَهربَ من ملاحقتهما راح يَنْشُد حُلْماً جمالياً سَمّاه “الفن للفن”، داعياً إلى بَذْل جهد متواصل لإعطاء الحياة معنىً هو البحث الدائم عن الكمال عوضَ السعي إلى تَخليد ما هو عابِرٌ وزائل. هكذا يكون الفنُ ويبقى المنبعَ الوحيد للخلاص المتجدِّد من رتابة الأيام.
هذا هو “الفن للفن”، بمعناه الإيجابي، وليس أنه كلُّ ما ليس يُجدي ولا يؤدّي إلى نتيجة.
لذلك، أيها السياسيون، وحرصاً منا على عملكم “من أجل لبنان”، نَنْصَحُكُم أن تأتوا بأقلام تلوينٍ، أو ريشاتِ رسمٍ، وبِمَلْوَنٍ كالذي يقتنيه الرسامون، أو ربما آلة تصوير إن لم تكونوا موهوبين للرسم، وأن تنصرفوا، في تَصَوُّرِكم لبنان، إلى ابتداع الجديد الذي لا يقلِّد ولا يستعيد، لعلَّكم بذلك تأتون بما فيه جدوى لخلاص لبنان وخلاص الحياة السياسية في لبنان من التعابير المكرَّرة، والتصاريح الْمُجَرَّرة، والعبارات غير المبرّرة، في قاموسٍ سياسيٍّ أفرغتموه من كلّ مضمونٍ أصيلٍ أصليّ، لكثرة ما استهلكتُمُوه يومياً حتى باتت الكلماتُ على لسانكم مفْرَغةً من مدلولها.
إن “الحوار للحوار” في منطق “السياسة للسياسة” (انطلاقاً من مفهوم “الفن للفن” بمعناه الحقيقي الإيجابي: البحث عن الخلاص في الجمال) هو الذي يكون عندئذٍ سياسةً بمعناها الأمثل والأرفع والأنقى.
بِهذا المفهوم تَحديداً، تَمَكّن حكَّامُ الشعوب من قيادة بلدانهم نَحو مهمّة الخلاص، وقمّة السلام، ونعمة التحرير.