1005: الوظيفة العامة: كيفيّة؟ أم مَحسوبية؟

الحلقة 1005 : الوظيفة العامة: كَـفِـيَّة؟ أم مَحسوبية؟
الأربعاء 20 تَموز 2011

يعيش لبنان في هذه الأيام مناخ التعيينات الإدارية، ويترقَّبُها بين هاجسَين: الكفاءة والكيدية.
ولَما كانت طبيعة الحكومة الجديدة مُكَرَّسةً إلى جهة غالبةٍ لفئةٍ غالبة في مناخ غالب، يتخوَّف الكثيرون من أن تَطغى الكيديةُ على الكفاءة، مع أن “أولياء الأمر” لا ينفكّون يردّدون الشعار المألوف بـ”وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”.
هذا الشعار يُمكن تطبيقُه في نظام ديمقراطي علماني حضاري، كما نشهد في معظم البلدان من دول العالم الأول، حيث لا طائفيةَ تتحكّم بالوظيفة، ولا مذهبيةَ تسيّر التعيينات، ولا مبدأَ للتعيين إلا الكفاءة التي تَجعل الْمُعَيَّنَ يعمل للمواطنين، جميعِ المواطنين، إلى أيِّ حزبٍ ينتمون، وإلى أيِّ تيّارٍ سياسيٍّ يَنتسبون.
عندنا، الأمر مُختلف، لأننا نعيش في نظامٍ ظاهِرُهُ ديمقراطيٌّ، وواقعُه – في أكثره ومعظمه – مَحسوباتِيٌّ زبائنِيّ، غالباً ما يَدين فيه الْمُعَيَّنُ بالولاء لِمَن عَيَّنوه لا لِمن جاء كي يَخدمهم من المواطنين.
منطقُ الوظيفة العامة أنها في خدمة الدولة لا لُوْرْدَاتِ الدولة، وفي خدمة المواطنين لا فئةٍ من المواطنين، وفي خدمة الضمير لا مَن يسخّرون الضمير لِمصالِحَ خاصةٍ في كَنَفِ الخدمة العامة.
وإذا منطق المعارضة أن تكون في موقع المراقبة والمحاسبة، فالأجدرُ أن يكونَ في تعيينات الوظائف العامة مَن هم أيضاً من المعارضة نفسها كي تَتِمَّ عليهم المحاسبة كما تَتِمُّ على سواهم. الوظيفةُ العامة دائمةٌ ثابتة، بينما مصادرُ التعيينات متغيرةٌ غيرُ ثابتة، تتحكَّم بها ظروفٌ سياسيةٌ وانتخابيةٌ تقْلبُ الأدوارَ إلى التغيُّر، بينما الموظَّفُ الْمُعَيَّنُ يبقى ثابتاً من عهدٍ إلى عهد، ومن حُكْمٍ إلى حُكْم ومن معارضةٍ الى موالاةٍ أو العكس، وهنا خطورةُ أن تتحكَّم جهةٌ واحدةٌ ظرفيَّةٌ غيرُ دائمة بتعييناتٍ ثابتةٍ دائمة.
إن في لبنان طاقاتٍ عاليةً في جميع الحقول، وإذا كان لا بدّ من اتّباع الكوتا الطائفية في بلدٍ لا تزال تتحكَّم فيه الطائفيةُ مظهراً والمحسوباتيةُ والزبائنيةُ واقعاً، فليكُن الْمُعَيَّنون أبناءُ الطائفة مَن ينتمون إلى الموهبة لا إلى المحسوبية، وإلى الكفاءة لا إلى الاستزلام، وإلى الجدارة المهنية لا إلى تبييض الوجه مع ذوي النفوذ، وإلى علْميّة السيرة الذاتية لا إلى النَّسَبِ أو القرابةِ أو الصداقةِ أو الوقوفِ في باب هذا الزعيم أو ذاك القائد أو ذلك النافذ السياسي.
بديهيٌّ ما نقول؟
صحيح. بديهيٌّ في نظامٍ ديمقراطيٍّ سليمٍ يرمي معارضُوه والموالون فيه إلى خدمةِ الدولةِ والشعبِ والوطن لا إلى إرضاء ذوي النفوذ في الحكْم، خصوصاً حين يكون في الحُكْم مَن تَوَلَّوه بِحُكْم الأمر الواقع.
فلننتظِـرْ و نَـرَ.
وما دُمنا ننتظر، في مناخٍ من الوعود المعسُولة، وما دامَت المرأة لم تنَلْ حَقَّها بِـمقعدٍ وزاريٍّ في هذه الحكومة الكريمة، فَلْتُرِنا هذه الحكومةُ كيف تعوّض للمرأةِ اللبنانيةِ الجديرةِ بوظائفَ عامةٍ تَليق بالمرأة القادرة، وفي مُجتمعنا اللبناني سيداتٌ رائعاتُ القُدرةِ والكفاءةِ والدراية، نأمل الاّ تَتَحَكَّمَ بِهنّ مَحسوبياتٌ ذُكوريةٌ أدّت إلى كثيرِ الفسادِ في مُعظَم وظائفنا العامة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*