الحلقة 994: من شرفة حريصا إلى شرفة الڤاتيكان
الأربعاء 4 أيار 2011
يومها وقَفَ على شرفة البازيليك في حريصا،
وخاطَب شبابَ لبنان وصباياه،
تقاطروا إليه من كلّ لبنان،
لا أبناءَ طائفته وحسْب، بل أبناءَ العائلات اللبنانية جمعاء.
يومئذٍ لم يكن بابا المسيحيين وحدهم،
بل مرشدَ الشبيبة التي كرَّس لها حياتَه كلَّها،
كتَبَ لها الكثير،
بشَّرَها بالكثير،
وخَصَّ شبيبتَنا وأهاليهم وأولادَهم من بعدِهم بـ”الإرشاد الرسولي – رجاءٌ جديدٌ للبنان”.
ويومها أطلق عبارته التي باتت بعدَه أَيقونةَ المقولات إنّ “لبنان أكبَـرُ من وطن: إنه رسالة”.
تلك هي الهُويةُ التي أرادها للبنان وهو يطلُّ من شرفة حريصا على خليج جونيه،
أمامه آلافُ اللبنانيين يُصغون،
وأَبعدُ منهم يُصغي كلُّ لبنان إلى من جاء يقول
إنّ لبنان ليس رسالةً في ذاته، أو لِـذَاته، أو عن ذاته،
لكنه رسالةٌ إلى الشرق أنْ يَحتذي بلبنان سماءً على الأرض
تَضُمّ مسيحيّيه إلى مسلميه،
تَجمَعُ صليبَه إلى هلاله،
تُعانق إنْجيلَه بقرآنه،
تُجاور جَرَسَه ومئْذنَته،
تُخاصر كنيستَه بِمسجدِه،
تتصاعدُ من مؤْمنيه ابتهالاتُ “الله أكبر” مع الـ”هللويا”،
فترتسم في القلوب تَسبِحةُ بَسْمَلَتَين: “باسم الآب والابن والروح القدس” و”باسم الله الرحمن الرحيم”.
ويومها سَمِع صوتَه العالَمُ كلُّه،
يعلن أنّ لبنان أَوسعُ من وطنٍ ذي جغرافيا أرضية وديموغرافيا سكّانية،
لأنه وطنٌ ذو مساحةٍ روحية
حدودُها الفضاءُ المشكوكُ ابتهالاتٍ إلى الواحد الأحد الصّمَد الذي لم يكن له كُفُؤاً أحد،
مالكِ السماوات والأرض وكلَّ ما يُرى وما لا يُرى.
كلُّ هذا كان يومها، في مثل هذا الأُسبوع بالذات من سنة 1997.
وهذا الأسبوع، يوم الأحد الماضي،
كان ملايينُ المؤمنين في العالم،
ومئاتُ الآلاف في ساحة الڤاتيكان،
يسمعون خَلَفَهُ يُعلنُهُ طوباوياً مع الطوباويين،
وكان اللبنانيون، في الڤاتيكان وأمام شاشاتِهم في كلّ العالَم،
يغتبطون أنّ لهم فيه حصةً إرشاديةً
تُزاملُهُ مع قدّيسيهم وطوباويِّيهم،
لتجعلَه في قلوب المؤمنين ذُخراً روحياً وروحانياً
هو عنوانُ لبنانَ الوطن الرسالة في هذا الشرق الذي يشهد اليوم في وجهه العربي تغيُّراتٍ حاسمةً،
بدأت من لبنان في “ساحة الحرية”
وانتشرَت إلى ساحات الحرية والتحرير والتحرُّر في بقاع الشرق العربي الذي ما زال لبنان رائدَه في كل استباق.
من شرفة حريصا في أيار قبل أربع عشْرةَ سنة،
إلى شرفة الڤاتيكان في أيار قبل ثلاثة أيام،
وجهٌ واحدٌ يشُعُّ يوحنا بولس الثاني رجلَ سلامٍ وَسَمَ سيرته برسالة المحبة،
وجعلَ من لبنانَ الرسالة
نموذج سائر الأوطان كي تكون لِـذَاتِها ولِـسِواها
أوطانَ رسالة الإنسان المؤمن إلى الإنسان المواطن
في كلِّ مكانٍ وزمان،
على صورة ما هي، في جوهرها، رسالةُ لبنان.