ثلاثون يوماً على التَّوالي،
عبورُ 440 كيلومتراً في دروب لبنان الجبلية و75 قرية لبنانية جبلية،
صُعودُ تلالٍ، ونزولُ وهادٍ، ما بلغ 22 ألف متر (مرَّتين ونصف عُلُوَّ جبل إِڤِرِسْتْ)،
كانت مراحلَ هذه الرحلة الممتعة التي قامت بها هناء الهِبْري وفريقُها
وكانت حصيلتَها كتابُها الجميل “مليون خطوة: اكتشافُ دروبِ لبنان الجبلية”
) (A Million Steps: Discovering the Lebanon Mountain Trail
صَدَرَ بالإنكليزية في طبعةٍ أنيقة،
وحجمٍ موسوعيٍّ من 290 صفحة
تتنافس فيها سلاسةُ النُّصُوص
وجمالاتُ الصُّوَر التي التقطتْها عينُ المصوّر الفوتوغرافي النمساوي الأميركي نورْبِرت شيلر،
وهي تعكس، كما في مرآةٍ نقيةٍ، مشاهدَ ولقَطاتٍ ولَحَظاتٍ وَوُجُوهاً من لبنان الطبيعةِ الساحرة،
عايَنَها هذا الفريقُ المغامر من ستة أشخاص
أمضَوا معاً شهراً كاملاً يكتشفُون دُروبَ جبالنا،
في هذا الكتاب المصوَّر السياحي البيئي الذي
ساهَمَت فيه وزارةُ السياحة وجمعية “إيكوديت”
وصدر في منشورات “بيروت عاصمة عالمية للكتاب”.
الكتابُ مذكّراتٌ يوميةٌ دَوَّنَتْها هناء الهِبْري طوال ذاك الشهر المغامِر:
مُشاهداتٍ وشُعوراً وانطباعاتٍ
وتفاصيلَ مُثيرةً للمشْي في الوَعْر والشَّوك، وعلى الصُّخور، وفوق الأَشيار شيراً بعد شير،
وتسلُّقِ العلالي، والانحدار إلى مسالكَ ضيِّقةٍ
والخروجِ إلى وَسَاعاتٍ تطلُّ من شرفة المطلاّت على قُرى لبنانيةٍ جبلية هادئة ساكنة،
قُرىً جميلةٍ لا يَخدش سكونَها إلاّ
مرورُ رَفٍّ من الطيور، أو حوارُ زقزقةٍ عابرة، أو سقسقةُ ساقيةٍ تَتَأَفْعَنُ بين الحجارة والجلالي.
رحلةٌ مُمتعةٌ بدأَها هذا الفريق في عَلالي شمال لبنان:
من القبيّات الى كفربْنين إلى بقاعصفرين إلى إهدن إلى وَهدة وادي قنوبين إلى تلال ظلال الأرز إلى مَطَلاّت تنورين،
عُبوراً إلى جبل لبنان عبر تنورين
إلى العاقورة إلى أفقا إلى حراجل إلى كفرذبيان إلى بسكنتا إلى المتين إلى فالوغا إلى عين زحلتا
إلى الباروك إلى معاصر الشوف إلى نيحا إلى جزّين،
وانتقالاً إلى جنوب لبنان عبر جزين إلى عيتنيت إلى راشيا إلى حاصبيا
إلى مرجعيون حيث انتهى الشهر… وانتهت الدروب… وانتهت الرحلة.
في مطلع هذا السِفْر الجميل،
كتَبَ مكسيم شعيا – وهو الخبير في اكتشافات الأعالي -،
مقدمةً أكّد فيها على القول الشهير بأنْ “متى تَحَرَّكَت القَدَم تَحَرَّكَ القلب”،
ومشدِّداً على الأهمية التي تكتسبُها جمعية “دروب لبنان الجبلية”.
في التوطئة ذَكَرَت المؤلفة أنَّ المتعة ليست فقط في المشي والتسلُّق وعُبور الدُّروب،
بل في ما يتعلَّمُ الإنسانُ ويشاهدُ ويكتسِب،
وفي مَن يلاقي ويواجِه ويتعرَّف
ويتبادل الأحاديث مع السكان الطيّبين المضيافين في كلّ ضيعةٍ
بِما تَحملُه هذه الضيعة من عاداتٍ طيّبة واستقبالٍ لبنانيٍّ حَميمٍ كأنّ أعضاءَ الفريق من أهل البيت والضيعة.
يطولُ الكلامُ على هذا الكتاب الجميل،
لكنَّ هذا القليلَ من الضوء عليه
كافٍ ليختصِرَ ما فيه من جمالاتِ صوَرٍ تكشف لنا وطناً رائعَ الجمال
في جباله ووهاده وأنْهاره وحقوله وحفافيه وأشجاره ونباتاته وبيوته
وفي ثُريّات ضِياعه الهادئة الهانئة في لِحْف جبلٍ أو على صدر تلَّة،
ما يَملأُ القلبَ عُذوبةَ غبطةٍ بِهذا الوطن الذي طبيعتُهُ نعمةٌ حقيقيةٌ معطاةٌ هِبَةً نادرةً لكلِّ لبناني.