الحلقة 981: متى الاعتذار؟
الأحد 6 شباط 2011
بعد أيامٍ على غَلَيان الشارع المصري،
ووقوعِ ضحايا وخرابٍ وتعطيلٍ في شرايين الدولة،
وارتداداتٍ في السُّوق النفطية العالَميّة،
وفيما الملايينُ تَحتشدُ في ميدان التحرير،
خرَج رئيسُ الوزراء يقدّم “اعتذاره” للشعب عما حصل،
ويُعلن للمتظاهرين “أَسَفَه” لِما نالَهُم من جرّاء كلّ ما حَصَل.
لن نناقش خلفيات الاعتذار.
لن نتدخَّل في أمورٍ سياسيةٍ داخليةٍ تعني مصرَ وحدها وحُكّامَ مصر وشعبَ مصر.
لكننا نناقش هنا مبدأَ الاعتذار: اعتذار الحاكم من الشعب.
هل يكفي إعلانُ الاعتذار بعد وقوع الانهيار وحصول الدمار وغِياب الخِيار؟
هل يكفي التَّحَصُّنُ بِمقولة “عفا الله عما مضى” لِمَحْوِ ما سبَّبه الفعل من كارثة أو فاجعة أو مأساة أو أذى؟
هل على النظام أن يعتذرَ من شعبه على وقوع الأضرار والكُسُور والإجحاف؟
أم عليه تدارُكُ أن تَحصلَ جميعُ تلك التجاوزات والتصرُّفات قبل حُصولها كي لا تَحصلَ فيُضطرَّ الحاكم إلى الاعتذار؟
هل مَن يرتكبُ جريمةً فرديةً بِحجم اغتيال حاكمٍ أو زعيمٍ أو قائدٍ، يغفر له الشعب لِمجرَّد أنه اعتذر؟
وهل مَن يرتكبُ جريمةً جَماعيةً بِحجم قهْر شعبٍ كامل، يغفر له الشعب مُمارساتِه لِمجرَّد أنْ يَخرُجَ على الناس ويعلنَ “اعتذاره”؟
شارل ديغول، حين قال له الشعب “لا”، لم يعتذر.
انصاع لرغبة الشعب وانسحَبَ إلى بيته.
لم يطلب التجديد،
ولا وعَدَ الشعبَ بإصلاحات،
ولا “تكارمَ” عليهم بترئيس ابنه أو صهره أو أحد أفراد أُسرته.
أعلن انسحابه وانسحَبَ في صمت.
فهل آلافُ المصريين المنتشرين في الشوارع اليوم،
يكفيهم اعتذارُ رئيس حكومتهم
لكي يعودوا إلى بيوتهم،
ويطمئنُّوا إلى أنّ النظام اعتذَر،
وسوف يُجري الإصلاحات وتسودُ الديمقراطية في البلاد؟
شرطُ الاعتذار: ما بعدَ الاعتذار.
الاعتذارُ قول. وما بعدَه فعْل.
الأساس ليس القول المجاني، بل الفعْل الميداني.
من يُخطئُ ويعتذر،
عليه أن يُثبِتَ أنه سيتصرَّف بما يَضع اعتذارَه الشفوي في موضع التصحيح العملي للخطإ الذي أدّى به إلى الاعتذارِ وطلَبِ السّماحِ والغفران.
ولكن…
بين اعتذارٍ عن خرابٍ حصل، وتَدارُكِ الخراب قبل أن يَحصل،
مسافةُ ما بين حاكمٍ خادمٍ شعبَه في نظام يَحترمُ شعبَه،
وحاكمٍ يَجعل شعبَه خادماً لديه في نظامٍ يَختزِلُ شعبَه ورأْيَ شعبِه ومصيرَ شعبه
في كلامٍ مُسْبَقٍ يقوله عنه الحاكم،
أو في اعتذار لاحقٍ يَختصر فيه كُسُور الفاجعة.
غير أنّ الشعب، في ساعة الصِّفْر، يصبح أبعدَ من الكُسُور، وأقوى من كل اعتذار.
وعندها لن يعودَ ينفعُ لديه اعتذارٌ ولا استعذار.