الثالثة والسِّتُّون
الجمعة 24 كانون الأول 2010
– 677 –
أَتَوَغَّلُ في العُمر وحْدي، ولا أُحِسُّني وحيداً، لأننا واحِدان.
مُستوحِدٌ هو العُمرُ، لا شريكَ له، لا شَراكةَ فيه، لا إشراكَ به.
لكنَّكِ مذ حَضَنْتِ عُمري بكِ، هَنِئَ إِليكِ فلم يَعُد مُستوحداً.
خفَّت عنه وطأَةُ السنوات منذ أطلَلْتِ، قبل عامَين، على فجر سَنَتِه الستّين (“أزرار” 574 – “النهار” 6 كانون الأول 2008).
وها هي الثالثةُ والستُّون تَهلّ:
جَذلى بربيعها،
زَوغى بِمَوسمٍ حَالٍ فيها ونَضارة.
عَشِيَّتَها، أعلَنْتِ وُصولَها حين باركْتِ بغَمْرة حبِّنا فَجْرَها قبل يُطلُّ الصباح.
وحين أطلَّ نورُهُ، يومُها الأول، كانت كفّاكِ على انبلاجه تَحتضِنان شُعاعاتِه الأُولى كأنها خيوطُ المشيمة.
الثالثة والستون !!!
مبارَكةٌ بكِ أيامُها الآتية،
تَنسُجينها بأناملِكِ العِذاب، يوماً بعد يومٍ:
عيناكِ إليها،
قلبُكِ فيها،
ونبضُكِ يَمنحُها الجديـدَ يَخضَرُّ ربيعاً
يُبرعمُ شِعراً،
يُبرعمُ نَثْراً،
يُـبرعمُ ما تَنْفَحينَهُ أنتِ… من أَفكارٍ ومُلاحظاتٍ ورُؤىً،
ومن صدى فكركِ الغَنيِّ بالحِكْمة والجنى.
لا يَخافُ العُمرَ مَن على جَبين أيامه نجمةُ العمر.
يَخافُ العُمرَ من يَسمَعُ شَعرَه يَشيب، ويَرى صوتَ تَجاعيده.
يَخافُ العُمرَ مَن كُلّما عيَّدَ ذكرى مولِدِهِ شَعَر بانقضاءِ عامٍ واقترابِ نِهاية.
يَخافُ العُمرَ مَن يَشعُرُ أنه في مَركب العمر لا أنه رُبّانُ هذا المركب.
يَخافُ العُمرَ مَن يُحسُّ بأنّ العُمر يَمُرُّ وهو أَسيرُ العُمر لا وهو سيِّدُه.
لا يَخافُ العُمرَ مَن على جبين أيامه نجمةُ العمر.
وأنتِ على جَبين أَيـامي، لا أُواسيني بزَوال سنةٍ،
بل أُهَنِّئني بانفتاحي على سنةٍ جديدةٍ سنابلُها أنتِ،
وأن تُذهِّبَها شمسُ حنانِك.
وأنتِ نجمتي،
لا أُقفلُ أمساً ينطوي مع السنة المنطوية،
بل أَفتحُ أفقاً حدودُهُ عيناكِ الرائيتان إلَيَّ في رضا حبِّنا وتَمائمِه وأَيقوناته.
وأنتِ صباحُ أيامي وصباحُ سنواتي الآتية،
لم أَعُد أخافُ العمر.
لي معه علاقَةُ إلفةٍ لا علاقةُ خوف.
ما دُمْتِ حبيبتي، فمِمَّ أخاف؟
وما دُمْتِ حياتي، فمِمَّن، إلاّ منكِ، أتنفّسُ العُمر؟
ما دُمْتِ نُسْغَ قصيدتي، فشِعري دوماً إلى يَناعٍ كي يليقَ بِوَحْيِه الذي هو منكِ:
إليكِ مرةً مكتوبٌ،
ومنكِ مرةً مكتوبٌ،
فكلُّ مَفاصله منكِ أو إليكِ، أياً يكن في جوهرِه نبْضُ القصيدة.
الثالثة والستون !!!
هل شِعرٌ للحُبّ في الثالثة والستين؟
أَلا تَزال السِّنُّ في عُمرٍ يتيحُ بعدُ زمناً للحُبّ؟
للغَزَل؟ ربّما لا. فاستيهام المرأة اصطناعٌ في الثالثة والستين. وكذا الشِعرُ إليها والغزلُ فيها.
أما الحُبّ، وهو باركَني بكِ في الستّـــين، فكُلُّ سنةٍ بعدَها: بَرَكةٌ منكِ إليكِ،
وعُمرٌ يصعَدُ من الستّين بَياضاً الى بَكارة الطفولة.
باركي هذا البياضَ يزدادُ نقاءً من لَمْسَةِ يدِكِ على جَبيني،
واجعليني طفلاً لم يولَدْ منكِ فَوَلَدْتِـهِ أنتِ من إيمانِكِ بي.
الثالثة والستون !!!
وليكُن أنّ عُمري، مع فجر سَنَتِهِ الثالثة والستين، مَنذورٌ لإيمانكِ الطاهر،
جَدَّدْتِهِ أَنتِ
حين غَمَرْتِني بعينَينِ مُغْمَضَتينِ على نُورٍ هو الذي باتَ يَقودُ خطايَ إلى آخِر العُمر،
مُزَوَّداً بِرِضاكِ،
مُبارَكاً بِلَمْسَتِكِ على جَبيني،
مُتَطلِّـعاً إلى فجْر سَنَتي المقْبلة،
وإلى كُلِّ سنةٍ مُقْبِلةٍ وأنتِ حبيبتي،
وأنا صَداكِ،
ونَحنُ واحِدان.
(9 كانون الأول 2010)