حين يُـحِـبُّ الشاعِـر (1/2)
السبت 4 كانون الأول 2010
– 674 –
لَم أَكن أَعرف أنّ الخوفَ رديفُ الحب، حتّى أحببْت.
لَم أَعرف الخوفَ يوماً في حياتي، إلاّ من يوم أحببْت.
أيكون أنّ الحبَّ خَسِعٌ إلى هذا الحدّ؟
أيكون أنّ الخوف قويٌّ إلى هذا الحد؟
كيف يكون الخوفُ ذئبَ الحب؟
وما الذي يقتلُ هذا الذئب؟ ومَن؟ وكيف؟ ومتى؟
أيُّ عشتار تُنْقِذُ أدُونَها من مَخالب الخنزير البرّي؟
العاشق – العاشق الحقيقيّ المخْلص – يندفع في دُروب حبّه لا واعياً إلاّ حبيبتَه،
لا قاصداً إلاّ حُضورَها،
لا ناشداً إلاّ رضاها،
لا سائلاً إلاّ البقاءَ معها في نعمة هذا الرضا.
ذاك هو العاشق العادي.
فكيف إذا كان الشاعر هو هذا العاشق؟
عندئذٍ يتغيّر كلُّ إيقاع.
يلتهب الوهج.
يَقْوَى زخمُ الاندفاع العشقي.
***
حين يُحِبُّ الشاعر،
يتماهى الشاعر فيه بالرجل.
يتصالحان، يتواطآن على قهر كل ما يتأتّى ولا يُرضي الحبيبة.
يصبح الرجلُ وازعَ الشاعر، والشاعرُ قائدَ الرجل، وكلاهما حارسٌ على باب هناءتِها.
حين يُحِبُّ الشاعر،
لا تعُودُ الحبيبة أمامه، ولا في جهة منه، بل حوله دائرةً تُسَوِّرُهُ فلا يرى إلا إليها،
وأينما تَلَفَّت تكون هي الرؤية، وكيفما قارب حلماً تكون هي الرؤيا.
حين يُحِبُّ الشاعر،
يدخل في حالة نيرڤانيّة تامة كاملة انخطافيّة يراه السوى فيها “منخطفاً إلى”، بينما هو “منخطف في”.
فالحبيبةُ وحدها الحالُ الثانية التي تنقُلُه من كلّ هنا إلى كلّ هناك،
حيث الفردوسُ الموعود سُكنى السعادة في نُعمى الحبيبة.
حين يُحِبُّ الشاعر،
يُصبح شعره في خدمة حُبّه بعدما كان كلُّ ما لديه في خدمة شِعره.
يُصبح حُبُّه هو السيّد الْمُطاع الذي يُملي كلّ مَشاعر الشاعر من أيّ منحى كانت.
يُصبح حُبه هو الدافع والوازع.
يُصبح الصوت ويستصدي كلّ سوى.
حين يُحِبُّ الشاعر،
تولَد القصيدة مرّتين:
أُولى من الحبيبة والأُخرى من الشاعر.
وبين الولادتَين سُرّةٌ واحدةٌ من لحظةٍ ساطعةٍ يشكّلها الصّدق الشفيف.
حين يُحِبُّ الشاعر،
يُصبح الوقتُ سماءً يَملأُها بالانتظار والتَّشَوُّق:
إذا وَعَدَتْه بالْمَجيء ينتظر، وإذا جاءت يغتلي انتشاءً ومراتعَ غبطة.
حين يُحِبُّ الشاعر،
يُصاب بضِيق النَّفَس.
لا يعود يحتمل مساحات الانتظار.
الدقائق عنده عذاب. تَتَسَلْحَفُ بطيئةً على نبْضه حين لا تنفتح أمامه على لقاء الحبيبة.
لا يحتمل الانتظار. يريدها حَدّه، معه، فيه.
إذا وَعَدَت بالْمجيء اغتبط وراح ينتظر. يغتبط أنه ينتظرها.
يتوقّف في وقته الوقتُ وهو ينتظر.
الشاعر يعرف أن ينتظر،
وأن يَملأَ الوقت بالانتظار وباستعادة كلماتِها: “غيابُكَ يُرهقني، ويُربكني حُضورُك”.
وإذا تأخَّر مَجيئُها يَخاف.
يَخاف ويَفرح.
يَفرح أنه يَخاف.
والشاعر يعرف أن يَخاف.
ويفرح أنه يعرف أن يَخاف بقدْرما يعرف أن يُحب.
حين يُحِبُّ الشاعر … (التتمّة: الأسبوع المقبل).