962: الخلويّ خليّةٌ للكذب

الحلقة 962: الخَلَوِيُّ خليَّةٌ للكذب
الأربعاء أول كانون الأول 2010

الجهازُ الصغير الذي بات أصغرَ من كَفّ اليد، وشاء مكتشفوه لِمُستهلكيه أن يكون أداةَ اتصالٍ وتواصُل، اكتشف فيه السيكولوجيون جهازاً أكبر من حجم الإنسان حين ينقلب الى… أداةٍ للكذب.
في دراسةٍ نشرها المعالِج السيكولوجي جيرار لوڤين (Louvain) على موقع “سيكولوجيا” الإلكتروني، أنّ الأعذار التي يتحجَّج بها الناس (“الخطوط مراقَبَة”، “الإرسال ضعيف”، “الرسائل النصية الاعتذارية غيرُ صادقة”، وسواها من أعذار وتَحَجُّجاتٍ) تَجعل الهاتفَ الخلوي جهازاً يُسهّل فرصةً واسعةً للكذِب بقدْرِما يُوفّر الاتصالَ والتواصل.
ففي حين يتيحُ الاتصالَ بمن نشاء في أيِّ وقتٍ أو أن يتّصلَ بنا مَن يشاءُ في حيثما نكون، يتيحُ لنا كذلك مزاولةَ استيهاماتنا الكاذبة أو الخادعة أو المخدوعة، فيجعلُنا نَشعرُ بما نُريدُ مثلما نُريد، ونتصرّفُ وِسْع خيالنا وأوهامنا وعواطفنا الجامحة، ونقرّر مقدارَ الصدق أو الكذب في محادثاتنا، ونغضَب على محدّثنا إذا لاحظناه يشُكُّ في كلامنا.
صحيحٌ أنّ الصادق أصلاً لن ينقلب الى كاذبٍ مع جهاز الخلوي، لكنَّ مَن هو أصلاً مُخادعٌ، يخدم له الخلويُّ طبيعتَه الغشّاشة وخوفَه من قول حقيقةٍ لا تناسبه أو سماعِ حقيقةٍ لا يتقبَّلها، ويسهِّل له مزاولة أكاذيبِه كأن يقولَ إنه يتكلّم من مكانٍ لا يكون فعلاً فيه، أو يخترعَ أجوبة تناسب خداعه ولا قدرةَ لِمُحَدِّثه أن يكذِّبه.
ولأنّ العين مصدرُ الحُكْم على الصحّ أو الخطأ، على الحقيقة أو الكذب، فالخلويُّ البعيدُ عن العين هو الأداةُ المثلى للخداع والخيانة بما يتيحُ من فُرَصٍ للحجج الكاذبة (ضعف الإرسال، انقطاع الاتصال، مَوات البطارية، إقفال الخط لانعدام الإرسال إذا أراد الشخص ألاّ يتصلَ به من يُحرِجُه أو يفضَحُه،…).
ومن إتاحات الخداع أيضاً: عدمُ الإجابة عند رؤيةِ رقم المتَّصل، ثم اختراعُ حجج وأكاذيب لتبرير عدم الإجابة، أو لإجابةٍ موجَزَة بحجّة الوجود في اجتماع أو في جلسة رسمية.
ومن تسهيلات الخلويّ كذلك: الرسائلُ النصّية القصيرة (SMS) التي توفّر الجدل والمناقشات عند قرارِ إنهاء علاقةٍ، أو بَتْرِ حوارٍ، أو قطْعِ حديثٍ مباشِرٍ يَخونُنا فيه صوتُنا فنقع في حنانِ العاطفة أو تأثيرِ الصوت الآخَر على مشاعرنا فنضعف أو ننفعل.
وفي دراسة جيرار لوڤين (Louvain) نَماذجُ أخرى من حالاتٍ وأحداثٍ وأمثلةٍ على تَحَوُّل الخَلَويّ الى خليَّة كَذِب، ما يَجعلُ التكنولوجيا التي تَخدُمُ الإنسان، تَخدُمُ أيضاً مَن تَفضَحُهُ لغةُ الجسد حين يكذب فيُنْقِذُهُ من الفضيحة… جهازُه الخَلَوِيّ.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*