الحلقة 944: لأجـلـكِ يا سُـمَـيّـة
الأربعاء 29 أيلول 2010
كأنما، منذ غابَت، أضمرَ أن يُخلِّد ذكْرَها في عملٍ كبير يليقُ بِحُبّه الكبير، ووفائه لها زوجةً وحبيبةً ورفيقةَ عمر.
لذا، حين قرَّر أن يؤسّس أكبر متحف للفن في بلاده – وربما في كلّ أميركا اللاتينية – سَمّاه “متحف سُمَيَّة”.
إنه كارلوس سْليم، الملياردير المكسيكي اللبناني الأصل الذي، مع نهاية هذا العام في العاصمة “مكسيكو سيتي”، يفتتح “متحف سُميّة” للفن الحديث، عارضاً فيه مجموعته النادرة التي من 66 ألف عمل فني منذ القرن الخامس عشر وُصولاً الى منحوتاتٍ لديه من أعمال رودان، هي أكبر مجموعة لرودان في العالم خارج فرنسا.
وهو عهدَ بهندسته المعمارية الى صهره (زوج ابنته سُميّة كذلك) فرناندو روميرو الذي استشار مكتبَ هندسةٍ شهيراً في لوس أنجلس سبَق له أن صَمّم ونفّذ مشاريع هندسية طليعية غريبة، منها مبنى الأُوپرا في سيدني (أُستراليا)، ومركز جورج پومپيدو في پاريس، ومقرّ الألعاب الأولمپية في پكين، فخرجَت دراسات هذا المتحف بتصميمٍ غريب وجريء: على شكل قرن مرتفع أو مقدّم سفينة فينيقية أو موجة هائلة، بِـعُلُوّ 150 قَدَماً، كلُّهُ مكْسُوٌّ بقطعِ ألمنيوم مثمَّنة الأضلاع، يبلغ عددها 16 ألف قطعة تجعل جدرانَ المبنى كلَّها على شكل أَقراص عسل كبيرة.
المبنى سيكلّف 34 مليون دولار. يحتلّ منه المتحف خمس طبقات، مجموعُ مساحتها 183 ألف قدم مربع، وفي الطبقات الأُخرى مكاتب كارلوس سليم لشركاته التجارية.
اللافت أنّ هذا المتحف الضخم “الحديث” مبنيٌّ في حيٍ صناعي “قديم” من مكسيكو سيتي، كان كارلوس سليم رَبِيَ فيه، وشاء أن يستعيض عن فقر تلك الأيام وذاك المحيط المتواضع بأنْ سيفتح أبواب المتحف مَجَّاناً ليضمَن أن الجميع قادرون على دخوله والتمتّع بِما فيه من روائع فنية خالدة.
هذه هي الرسالية التي تجعل المالَ في خدمة الثقافة، والثقافةَ في خدمة الشعب، وتُرَقّي المجتمع الى مراتب عليا، فَتُنَمّي جيلاً بعد جيلٍ دفُعاتٍ من المواطنين يكبَرون على الفنّ لا على المشاحنات السياسية، وعلى الأعمال الرسالية لا على المصالح الشخصية، فيكونُ العطاء متجرِّداً غيرَ تجاري، وتكون الغبطة النفسيّة والجماليّة ظلاًّ جميلاً لشمس العطاء النبيل.
وما أنبل أن أَضمرَ كارلوس سليم، يوم غياب زوجته، تخليدَ ذكرِها بأكبر مشروع فني حضاري في بلاده وجنوبي القارة الأميركية!
أَتَصَوَّرُهُ غداً، يوم افتتاح المتحف، سيتطلَّع الى فوق، الى قمة هذا المبنى المرتفع الجميل، ويتمتم في صمته العميق: “كلُّ هذا الجمال الفني، لأجلِكِ يا سُمَيَّة”.
هكذا يكونُ يومُ ذكرى الحُبّ وعداً وعهداً ووفاءً للحبيبة بالحبّ الحقيقي حتى آخر العمر.