الحلقة 923: من خدمة الـعَلَم إلى خدمة الـمَعْلَم
الأحد 18 تموز 2010
لا أعرف ما كان الداعي إلى إلغاء خدمة العلَم قبل سنوات، وكان الهدفُ منها جمْعَ الطلاب اللبنانيين في خدمة عسكرية تضُم شباباً يلتقون في مكانٍ واحد، يتعارفون، ويعملون على رؤية واحدة للبنان الواحد.
للسلطات المعنية أَسبابُها التي لا ندخل في نقاشها، تسليماً منا بقراراتها وتبريراتها، فهي أدرى بالصالح العام ومندرجاته.
ولكن لم يَقُم بديلٌ مكان خدمة العلَم، وشبابُنا متروكون لأهوائهم وميولهم وصرف أوقاتهم على تسالٍ ولَهوٍ وحياةٍ ليلية عابثة، ووطنٍ لهم يحميهِم ولا يحمُونه، يضمُّهُم ولا يضمُّونه، يأويهِم ولا يأبهون لنعمةِ أن يكون لهم وطنٌ يستظلُّون سماءه ويطأون ترابه.
في 10 آذار الماضي أقرّ مجلس النواب الفرنسي قانون “الخدمة المدنية الاختيارية” (بدأ تنفيذه في الأول من هذا الشهر، تموز) وهو جاء يحقق اقتراح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك سنة 2002 على أثر إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية سنة 1996.
هدفُ “الخدمة المدنية الاختيارية”: تثبيت الانتماء الوطني إلى الشعب والأرض، وترسيخ المواطَنَة في نفوس الفرنسيين الشباب والصبايا، بين 16 و25 سنة، يتطوّعون للخدمة العامة في مهامَّ ذاتِ منفعةٍ عامة، عبر منظمات غير حكومية، أو في دوائر حكومية. وخصصت الدولة للمشاركين في هذه الخدمة العامة تعويضاً شهرياً، وفق المهَمَّة المختارة، بين 1000 و1500 يورو، وحددّت الخدمة بستة أشهر حداً أقصى، لإتاحة الفرصة أمام فرنسيين آخرين يشاركون في هذه الخدمة العامة الاختيارية. وتشارك في التعويض المالي بلدياتُ المناطق التي يعمل فيها المشاركون.
وفي بعض البلدان يقوم المتقاعدون بأعمال تطوّعية للخدمة العامة، بحسب مهارتهم وخبراتهم، وفي اليابان يقومون بمهمة المرشدين المحليين في المناطق الريفية، وهذه من مَهامّ الخدمة العامة المدنية كذلك.
فماذا لَو، على غرار فرنسا، بادرت الدولة اللبنانية، بعد إلغاء خدمة العَلَم، إلى إنشاء جهاز خاص يدير الخدمة المدنية الاختيارية لشباب لبنان وصباياه، تسهم فيه البلديات، لنهضةٍ مدنيةٍ عامة تشمل المساعدة في ضبط السير، وتأهيل الأماكن الأثرية والسياحية، وتسهيل شؤون المواطنين في الدوائر المقصِّرة، والعمل على تنظيف الشاطئ، وتحريج الجبال، وخدمة البيئة، وخدمة الـمَعْلَم طالَما أُلْغِيَت خدمة العلَم، والقيام بأنشطة مدنيّة عامةٍ كثيرة تُسهم في تَحريك بُطْءٍ تعجزُ الدولة عن تحريكه بجهازها البشري الإداري، المترهِّل في معظمه، فينهض إليه شبابنا وصبايانا في قطاعات مدنية مختلفة، بدمٍ جديد، وحماسةٍ شابة، واندفاعٍ شبابي نضر، ولو ستةَ أشهر لكل دورة، إلى جانب جامعاتهم وأشغالهم، فيزيدون دخلَهم، ويُسهمون في تسريع حركة الإنماء المدني، دورةً بعد دورة، وينضبط الشباب اللبنانيون في مهامَّ تضمُّهم معاً إلى انتماء وطني واحد وعمل مدني واحد، يتعارفون ويتلاقون ويتصادقون وتأخذهم مَهامُّهم المدنية إلى مواطَنَةٍ لبنانية واحدة موحَّدة يشعرون معها بأنهم يعملون معاً لهدفٍ واحدٍ نبيلٍ هو إنماء لبنان المدني، بعيداً عن انقساماتهم السياسية والحزبية والطائفية والاصطفافية.
ومن الإنماء المدني إلى الانتماء الوطني، نستعيد لبنان من قبضة التفرقة السياسية، ومن أشداق غُولٍ خَطِرٍ يفتك بشباب لبنان، ويقذفهم إلى أبواب الحانات عندما يأتي المساء، أو إلى أبواب السفارات عندما تشرق الشمس عليهم وفي أيديهم… جوازاتُ السفر.