الحلقة 875 : فلنتعلّم من نكبة هاييتي
الأحد 17 كانون الثاني 2010
ينشغل العالم اليوم من أقصاه الى أقصاه بالنكبة الكبرى التي حلّت في جزيرة هاييتي، وبالهول الكبير الذي دمَّر عاصمتها بورت أو برِنس في شكل شبه كامل، وأباح أحياءها للسلب والسرقة والفوضى وانفلات الشر من قمقمه الرهيب.
وزاد من هول الفاجعة أن هاييتي بلد فقير كان يعتمد على بعض موارد طبيعية وسياحة، فإذا هو اليوم مرميٌّ على قارعة الدول ينتظر المساعدات والإعانات ليبدأ ينهض من تحت الركام الى أرض سوية بلا بيوت، بعدما قضى الزلزال القوي على كيان الدولة في بنيتها التحتية الكاملة وبات الناس في سديم العراء.
يأخذنا هذا الحادث الفاجع الى التأمل في ما يجري حولنا، من أحداث تدمّر أو تقتل أو تغتال أو تؤذي، بين سيارات مفخخة وبرامج نووية ملتبسة واغتيالات ومحاولات اغتيال، وما يجري عندنا في لبنان من تجاذبات سياسية وطروحات جدلية تؤذي المواطن والدولة والإنسان، فيما كارثة طبيعية واحدة تطيح جميع ما يحصل في لحظة واحدة.
كيف يمكن أن يدمِّر الإنسان الإنسان في وطن قد تجتاحه عاصفة، أو يزعزعه زلزال فيقضي على كلّ ما فيه ومن فيه؟
الأمم الكبرى، الدول الكبرى، الأوطان الكبرى، الأنظمة الكبرى، الشعوب التي تنعم في بلدانها بأحدث ما بَلَغَتْهُ التكنولوجيا مع العام 2010، جميعها مهددة بالزوال في عصف طبيعي واحد يعيدها دماراً أو رماداً الى العصر الحجري الأول.
فكيف يمكن أن يدمِّر الإنسان أخاه الإنسان في هاراكيري جماعية ذاتية؟
والأنظمة التي تقود مواطنيها والإنسان الى الدمار والتدمير، من سيُنقذها إذا اجتاحتها كارثة كتلك التي اجتاحت هاييتي؟
في صرخةٍ لإحدى المنكوبات في هاييتي قالت: “لِمَ المال، ولم يعد عندنا ما نقتنيه أو نشتريه”؟
موجعٌ هذا الذي يعيد الإنسان في لحظةٍ الى الخروج عن جميع ضوابط النُّظُم والسُّنَن والشرائع والقوانين !
موجعٌ ألاّ يدرك الإنسان أنّ ما يبنيه في عقود تزيله الطبيعة في ثوانٍ، وما تخططه نوايا الشرّ لديه تدمّره الطبيعة في لحظة غضب !
فليكن المشهد في هاييتي أمثولةً للأنظمة في البلدان، وللشعوب في الأوطان، ولنا نحن في لبنان أن نكفَّ عن مهاترات وتجاذبات ومجادلات وتهافت على مطالب ومقالب. إن لنا في بُنْيَة الإنسان عصمةً من كل خطر على بُنْية الكيان، فعندما ينفلت الشر من قمقمه الخطير لن يكون سندٌ للإنسان سوى أخيه الإنسان في التعاضد والخلاص، ولن يكون في الحياة إلاّ يدُ الإنسان تمتدّ الى اليد القريبة حين شرُّ الطبيعة يباعد الأخ عن أخيه، والمواطن عن مواطنه الأقرب.
فلنتأمَّلْ في الأرضيات وما تسبّبه من مَخاطر، ولنتعلَّمْ من نكبة هاييتي كيف نَجعل من إنساننا جسراً قوياً يمتد من القلب الى القلب، ويَصل الإنسان بالإنسان حين ينهدم الجسر الحجري بين البيت والبيت.