الحلقة 857: الالتزام الوحيد: المواطن
الأحد 15 تشرين الثاني 2009
فرِحَ الشعب اللبناني لرؤية أعضاء الحكومة واقفين حول الرؤساء الثلاثة للصورة التذكارية.
وكان الناس فرحوا لِمُجرد صدور التشكيلة الحكومية وإعلانِها، فتنفَّسوا وتأمَّلوا خيراً بكسر الجمود الحاصل منذ أشهر مطّاطة.
وزاد من تفاؤلهم ما سمعوه من أنّ البيان الوزاري هذه المرة لن يكون فضفاضاً، بل مقتضَباً مُحدَّداً، ومكتوباً بِـلغة جديدة، ليس فيه الإنشاءُ الطنّان، ولا الإطنابُ الاسترسالي، ولا الوُعودُ التي تبقى حبراً على ورق.
والناس ينتظرون ما سيكون عليه البيان الوزاري.
ينتظرون بأملٍ وقلق: الأمل أن يتحقّق هذا الجديد الموعود، والقلق ألاَّ يتحقّق الجديد الموعود.
الناسُ يتمنّون بياناً وزارياً مستداماً، يُثبِتُ ميدانياً ما اعتادوا عليه من تنميةٍ مستدامة في المناطق الريفية، والسياحة المستدامة سياحةً لجميع الفصول وجميع المناطق، والتربية المستدامة في حقّ التعليم للجميع، وهذه جميعُها تحتاج الى أسسٍ واضحة لاستدامتها.
الناس قلقون من أن تكون الوعود برّاقةً عَجْلى كبريق عدسات المصورين عند التقاط الصورة التذكارية، أو فضفاضةً كالتصاريح الأولى عند التشكيل: كلُّها حماسة واندفاع، ثم تروح تخبو مع ارتطامها بواقع عائق.
الناس يريدون أن يتذكَّرهم الوزراء وهم يصوغون البيان الوزاري فيخيطُوه على قياس الناس لا على قياس الوزراء ووعودهم وحساباتهم وانتماءاتهم والتزاماتهم.
الالتزامُ الوحيد: المواطن. الانتماءُ الوحيد: الى المواطن. الحسابُ الوحيد: حساب المواطن. الوعدُ الوحيد ألاّ ينسى الوزراء المواطنَ في التطبيق فينغمسوا في حساباتهم وكيدياتهم وارتباطاتهم ومشاكلهم وينسوا الناس الذي من أجلهم جاؤوا ولأجلهم يُفترَض أن يعملوا.
الناس يريدون حقوقهم في المياه والكهرباء والطرقات والصحة والضمانات والبيئة والخدمات العامة، ولا يريدون أن يتكرّر المشهد الذي انكسروا عليه (تعطيل مجلس النواب، تعطيل مجلس الوزراء، تعطيل مسيرة الدولة، تعطيل المؤسسات،…) كلما تخاصم زعيمان أو قائدان، أو اختلفت جهتان على موضوع أو قرار، أو عند أول إشكال بين المسؤولين.
حقوق الناس أولاً، وبعدها فليختلفوا داخل طاولات الحوار ومجلس الوزراء ما شاؤوا.
المهم الناس: عدم تعطيل شؤون الناس، ومستقبل أولاد الناس، كي تعود الثقة الى الدولة ومؤسساتها وأركانها، وعندها فقط يعود مَن هاجَر، ويرجِع مَن تَرَك، ويتفاءل مَن كان يئس، ويتجرّأُ مَن يستثمر، ويتشجّع من يُوَظِّف.
عندها فقط تكون الحكومة فعلاً “حكومة كل لبنان”، لا كلاماً استهلاكياً للإعلام بل التزاماً مسؤولاً في بيان وزاري مستدام يُخطط للُبنان الآتي وطناً مستداماً لا تقوى عليه عاصفة، ولا تَهُزّه أزمة، ولا يعود يخاف من “أيار” هنا و”تَمّوز” هناك، بل يأمل في مواسم خيرٍ وحصادٍ وجنى في لبنانٍ هانئ وسَعِيد.