852: وَضْعُنا السياسي بين التضليل والفودفيل

الحلقة 852: وَضْعُنا السياسي بين التضليل والڤودڤيل
الأربعاء 28 تشرين الأول 2009

في تعريف الڤودڤيل أنه مسرحٌ هزلِيٌّ خفيفٌ ينحو أحياناً الى التهريج، وغالباً الى كوميديا الكاراكتيرات والشخصيات والمواقف، وقد يتخلَّله رقصٌ وغناءٌ. وهو نوعٌ فنيّ رائجٌ كثيراً في الغرب، أوروپِّيِّه والأميركيّ، يختلف عن المسرح الكوميدي التقليديّ، ومغايرٌ عن مسرح الشانسونييه، يرمي الى الترفيه عن الجمهور بمواقفَ مسرحيةٍ بعضُها يسلّي ويرفِّهُ، وبعضها الآخر يُضحِكُ من ألَمٍ على واقعٍ يعرضه المشهد المسرحيّ. ومن شروط الڤودڤيل أنّ أغنياتِهِ ومشاهدَه وتعابيرَه، لكثرة ما تتردّد هي نفسُها في العرض الواحد (وهي بسيطة متكررةٌ حتى الملل تَنقُل واقعاً يعيشه الناس ويمجّونَ تكرارَه حتى قرَفِهم منه)، تصبح حديث الجمهور بعد خروجه من العرض، وسرعان ما تنتشر في المدينة فتصبح حديث الناس وتردادَهم.
ومع مرور الوقت راح مسرح الڤودڤيل ينحو صوب الهزل والهُزء والسخرية والدلالة على الأخطاء والتجاوزات في أسلوبٍ حادِّ اللذاعة أحياناً، يعتمد الأُغاني التي تستعاد أُسطوانةً مُمِلَّةَ التكرار، حتى لتغدو كاريكاتورية تعتمد الپاروديا مرةً، والتقليدَ مرةً، والهزءَ القاسي مرّات، الى أن تبلغ أحياناً فظاظة النكتة الوقحة، عبر مواقفَ تأخذ أكثرَ من طابع، فهي مرةً سوءُ الفهم، ومرةً سوءُ التفاهم، ومرةً سوءُ الاستفهام، ومرة سوءُ التفهُّم، ومرةً سوءُ الإفهام.
يقودُنا الى الكلام على الڤودڤيل اليوم، وضْعُنا السياسيُّ في لبنان، وهو اتخذ – بالمعنى المسرحي الحصري- طابع الڤودڤيل.
فاللبنانيون، منذ أربعة أشهر ويزيد، ينامُون ويصحَون على نشرات الأخبار إياها، وعناوين الصحف إياها، تحملُ العباراتِ المملَّةَ إياها: التشاؤم، التفاؤل، الأمل بالانفراج، الابتعاد عن الانفراج،… ولاعبو السياسة موزّعو الكاراكتيرات كما على المسرح: هذا متفائل، هذا متشائم، هذا متشائل (أي متشائم ومتفائل معاً)، والمواطن ينتظر. هذا حردان، هذا عاتب، هذا صائم عن الحكي، هذا حائم على الحكي، والمواطن ينتظر. هذا متهِّم، هذا عنيد، هذا شخصانِيّ، هذا منفتح، هذا متصلّب، والمواطن ينتظر. هذا يصرّح عكس ما حصل في الاجتماع، هذا يدسُّ الأخبار عكس الواقع، والمواطن ينتظر. هذا غائب عن الوعي، هذا غائب عن السمع، هذا غائب عن النظر، والمواطن ينتظر. وتَتَتَالى الأدوار، وتَتَتَالى نشراتُ الأخبار، وتَتَتَالى عناوين الصحف، والمواطن ينتظر ويتنقّل من تَحتٍ الى تَحت، من دلفة أصحاب التصاريح الى مزراب وجوه السياسيين بعد كل اجتماع، ولا اجتماع يأتي بقمحة، ولا تصريح يحمل غيرَ الزؤان.
هذا هو واقعُنا اللبناني اليوم: بين التضليل والڤودڤيل، والوقت يَفُرّ، والعمر يَمُرّ، والوطن يَخُرّ، وليس مستعجلاً أيُّ واحدٍ من السياسيين، وكلُّ واحد يدَّعي أنه مستعجل باسم الوحدة الوطنية وإنقاذ لبنان.
قبل أن يصبح الفودفيل مسرحاً هزلياً مع مرور الزمن، كان في أساسه مجموع أصوات زاهية تدور حول مواضيع فرحة ذات موسيقى فرحة وأغان فرحة توصل الى حالة مشتركة فرحة تريح المشاهدين، وتصبح تلك أَصواتَ المدينة.
فحبّذا لو ينتقل سياسيونا من ڤودڤيلهم الحاضر اليوم، الى ما كان عليه في الأساس… فنُّ الڤودڤيل.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*