الحلقة 842: التوعية الصحية خير من مداواة المرض
الأربعاء 23 أيلول 2009
عشية افتتاح السنة المدرسية، تتكاثر المخاوف من انتشار الوباء المخيف “أنفلونزا الخنازير” (H1N1)، وتتزايد الهواجس في نفوس الأهالي، ويتنامى القلق داعياً تدابير أولياء المدارس، درءاً لهذا الخطر الذي يتفشّى كالطاعون في العالم، وطال وَباؤُه لبنان.
ومع كل ما يرافق هذا الخطر الداهم من احتياطات وتدابير في الأوساط الطبية والمدرسية، يبقى غيرَ وافٍ ما ترافقه من توعية صحيّة وطبيّة تُجَنِّبُ احتمالات الإصابة به، لأن معظم الذي ظهر حتى اليوم ينبّه الى معالجته لا الى التوعية على تَجنُّبه ووعي مخاطره وأسبابه وظروف الإصابة به، خلا توجيهات أولية من بعض المراجع المختصة.
وكنا نتمنى لو ان قطاع الإعلام والصحافة أَوْلَى هذا الخطر مساحاتٍ أوسعَ من التوعية الشعبية، بالوسائل الصحافية والإعلامية التي تطال أكثر المواطنين من أجل التنبيه على الوقاية والتنبُّه والاحتياط والأخذ بالعنايات الطبية الضرورية، وخصوصاً بالوسائل الإلكترونية التي باتت في معظم البيوت والمكاتب وحتى المدارس والمؤسسات.
والوسائل الإلكترونية اليوم تتخذ الردح الأوسع من دخول الناس الى شبكة الإنترنت وقطف المعلومات منها، بما في هذه التوجيهات والمادة الكافية الوافية لكل قطاع.
من هذه المعلومات والتوجيهات ما نشرته قبل أيام جريدة “نيويورك تايمز” عن إنشاء موقعٍ إلكترونيٍّ جديد، باسم “ميدپـيديا” (Medpedia) ساهم فيه عددٌ من أمهر الأطباء والاختصاصيين في شؤون الصحة العامة والصحة العائلية، بعدما أجمعت الاستفتاءات أنّ الطبّ والصحة أكثرُ موضوعَين شعبيَّين يستأثران باهتمام الباحثين في مواقع إلكترونية غير وافية، وغالباً غير دقيقة لأنها ليست صادرة عن أطباء واختصاصيين. لذا حصر أصحاب الموقع الجديد أبحاثَه بأطباء ذوي خبرةٍ طويلة وإنْجازات طبية، شرطَ توقيع كلّ طبيب وكلّ اختصاصيّ مع ذكر مؤهلاته الطبيّة والعلميّة ومكان عمله، كي يتحمّل مسؤولية ما يَرِدُ في نصه الطبي.
من هنا أهمية “ميدپـيديا” بتقديم معلومات ونصائح في متناول الجميع، مع توجيهاتٍ طبيّة وصحيّة ونصائحَ عمليةٍ يُفيدُ منها زوار الموقع مباشرةً، أحياناً من دون العودة الى استشارات طبية لاحقة، وأحياناً بالدخول مباشرةً في دردشاتٍ فورية مباشرة (chatting) مع اختصاصيي الموقع الأطباء والخبراء، والحصول منهم فوراً على أجوبة عن أسئلة واستفهامات.
شاهدان من هذا الحدث: الاهتمام بالمواطن، صحتِه وعلاجِه، فلا يُرهَقُ باستشاراتٍ طبيةٍ مُكْلفة أو بزياراتٍ عيادية مدفوعة، والشاهد الآخر: التوعيةُ الصحية التي توفّر على الشعب عامةً، وعلى كل فرد من الشعب خصوصاً، أمراضاً وأوبئةً وجراثيمَ وهفواتٍ صحيةً تؤدّي الى كوارثَ ومآسٍ لا ينفع بعدها الندم.
فأول ما على الدول أن تقوم به، قبل تشكيل الحكومات وتصعيب الحكومات وإلهاء الناس بأحاديث الحكومات وجدَل النوّاب و”توك شُوَ”ات السياسيين، أن تُقْدِم على مَحْو الأميّة الصحيّة من صفوف الشعب، لأن الوطن السليم ليس في الحُكْم السليم بل في الشعب السليم الذي يعرف عندها أن يُشَخِّص لا أمراضَه وحسْب، بل أولاً ، وأساساً: أمراضَ حُكّامِه.