الحلقة 838 : تَجاوُزُ الذات… طريقُ النجاح
لـيوم الأربعاء 9 أيلول 2009
حدثٌ لافتٌ حصل مساءَ الجمعة الماضي له دلالتان: أُولى على قوّة الإعلام، والأُخرى على قوّة الإرادة.
الحدث تَمَّ على قناة “سي بي إس” التلفزيونية الأميركية، حين استضاف ديفيد ليترمان (في برنامجه الشهير) الكوميدي الأميركي ستيف مازان. وغيرُ عادية الحدث أن مازان تلقّى من طبيبه نبأَ أنه مصابٌ بسرطان الكبد، وأنْ لم يعُدْ أمامه يعيش إلاّ بضعاً من السنوات. وكان لدى الكوميدي المريض حلمُ أن يقدِّم عملاً كوميدياً قصيراً في برنامج ديفيد ليترمان على مسرح إِدْ سوليفان حيث يقدِّم ليترمان برنامجه.
تقدَّم بطلب الى إدارة “سي بي إس”، فرفضَتْه، معتبرةً أن مرضه بالسرطان ليس عُذراً ولا سبباً ولا مبرراً كافياً كي يتاحَ له الظهور في البرنامج العالمي على القناة العالمية. وجاءه الجواب: “لا جدوى من المحاولة إن لم تُقَدِّم عمَلاً يليق بالبرنامج والمحطة”. وكسَرت طلب الكوميدي ابنِ السابعة والثلاثين، المهدّد بالموت في أي لحظة.
احترم مازان قرار المحطة، وراح يهيّئُ برنامجاً كوميدياً يُخوّله الظهور في البرنامج المذكور. أربعَ سنواتٍ ظَلَّ يُهيِّئ ويقاوم المرض. كان يتجاوز الألَمَ والذاتَ وانْهيارَ صحته، رانياً الى تحقيق حلمه الأخير في الحياة: الظهور في برنامج ليترمان، والى تنفيذ شعاره الخاص: “إذا توقفتَ عن ملاحقة حُلمكَ، فأنتَ ميتٌ لا تستحقّ الحياة”.
وحقق مازان حلمَه (مساء الجمعة الماضي- الرابع من أيلول الجاري) وظهر في برنامج ليترمان، وحاوَرَه ليترمان، وأكثر: عَرَضَ له فيلماً وثائقياً عن مراحل تحضيره كوميدياهُ التي قدّمها في البرنامج.
الشاهد من هذا الحدث، مزدوجٌ كما قلنا: قوة الإعلام، وقوة الإرادة.
فقناة “سي بي إس” لم تساوم على مستواها ولا على قيمة برنامجها، بل ظلّت حريصة على انتقائيتها، كي لا يظهر على شاشتها مَنْ ليس على المستوى، ولم تشأ الاستسهال بتعبئة ساعات بثّها، ووقت المشاهدين، بأيّ برنامج، بأيّ ضيف، بأيّ تسلية، ولو بكوميديا من كوميديٍّ معروف. فأين هذه الانتقائية القاسية الصعبة، من تلفزيوناتنا اللبنانية أو العربية التي تقدّم برامج “توك شُوِ”يَّة أو تسلويّة، فيها الغث والسمين، والقمح والزؤان، والضيف الرصين والضيف الثقيل أو الخفيف؟
أما قوة الإرادة، فلدى ذاك الكوميديّ المهدَّد بالموت، والذي تَجاوز ذاته ليهيِّئَ في أربع سنوات ما يستحق نجاحه في دخول التلفزيون، ونجاحَه أمام الجمهور، ونجاحَه بتحقيق حلمه الأخير في حياته بالظهور في هذا البرنامج العالمي.
فالإنسان، في ذاته، يبحث دوماً عن تجاوز ذاته، ويتفوّق على ذاته، فلا يستجدي نَجاحه بل يستحقُّه بِموهبته وجِدّيّته.
هكذا يكون التلفزيون حافز صقل المواهب،
وهكذا تجاوُزُ الذات يؤدّي بصاحبه الى تَحقيق حلمه، واستحقاق بلوغِ النجاح.