الحلقة 820 : العودة إلى فردوس السعادة
الأربعاء 8 تـموز 2009
وسْطَ ما يعيشُه لبنان هذه الأيام من أملٍ ووعدٍ بأن يظلّ هكذا سائرَ أيام هذا الصيف، نلمس الفرحَ في الأجواء الاحتفالية، والسعادةَ في التوق إلى الخروج من الضغط في الراهن إلى السعادة في المرتَقَب.
السعادة!!! هذه اللُقيَّةُ القريبةُ منا حتى الالتصاق، والنائيةُ إن لم نعرف كيف نتعرّف إليها.
كأنّ من قدَر الإنسان، منذ كان، أن يَبحث عن السعادة في كلّ فاصلة من مراحل الحياة.
والسعادة مسألةٌ شغلت المفكرين والفلاسفة والشُّعراء والكتّاب عبر العصور، ضالعةً في جوهر حياة الإنسان ومبرِّر وجوده، بحثاً عن أسرار السعادة ومنابعها: أهي في الذات أم في السوى؟ هل هي تنبع من الذات أم تأتي من السّوى؟ وتعدّدت الدراسات حولها والاستفتاءات والنقاشات والحوارات والندوات، ولم تبلغ واحدةٌ منها جواباً كافياً يجعل السعادة ذاتَ جواب إلى اكتمال.
حتى الدياناتُ بحثَت عنها، وطرحَت موضوعَها في إسهابٍ وتصريح وتلميح ورموز، بدءاً من آدم الأول الذي طرده الربّ من الجنة لارتكابه المعصيةَ مع حواء، ولا يزال نسلُ آدم على الأرض يبحثون عن هذه السعادة المفقودة منذ الخروج من الجنة، أملاً أو طَمَعاً أو طُموحاً بالعودة إليها واسترداد لحظة السعادة.
لذا يبحث الشعراء عن سعادةٍ ينعمون بِها في حبٍّ ينهمل من حبيبةٍ تنضح سعادةً إذ تعطي الحبَّ مداه الأوسع غبطةً وهناءة.
في هذا السعي إليها، يتضح أنّ السعادة ليست بعيدة المنال، بل هي حولَنا، تشعُّ مرةً من ضحكة طفل بريء، مرةً من وجه رضيّ لا يرفل صاحبه بالثروة ولا بالسلطة ولا بالجاه ومع ذلك هو سعيد رضيٌّ في حياته ومع الآخرين.
السعادة بسيطة، نجدها في كل أمرٍ بسيطٍ حولنا وفي كل التماح. لذا نتساءل في براءة: هل فقدنا حسّ الأمور البسيطة حولنا؟ هل نتنبّه إلى أن السعادة ليست حولنا بل هي ساكنة فينا، في ذواتنا، في دواخلنا، في أعماقنا، هادئةً تنتظر أن نندهَها لتظهر، في منظر غياب الشمس تظهر، في الإصغاء إلى ميلوديا جميلة تظهر، في الوقوفِ أمام زهرةٍ حلوةٍ تظهر، وفي اقتبال الحياة بكل ما تقدِّمه لنا من جميل وبَهيّ ونقيّ تظهر السعادةُ في وشاح غبطةٍ داخلية تنضح منا إلينا فتفيضُ منا إلى الآخرين.
جميعنا نبحث عن السعادة. جميعنا نَتوقُ للعودة إلى فردوسها. جميعنا نسعى إلى السُّكنى في حماها لتظلَّ حياتُنا جميلةً وتستاهلَ أن نحياها في سعادة الاقتبال.
أيتها السعادة، أيتها النجمةُ الجميلةُ المعلَّقةُ في داخلنا: إمنحينا نعمة أن نبلغكِ في ذاتنا كي نَهِبَ منكِ إلى الآخرين، في لحظة حبّ تمنحُنا إياها نجمةٌ تصل في خريف العمر لتُعيدَ العمر إلى أول الربيع فنحيا معها، وبِها، وفيها، ربيعاً دائماً لا إلى انطواء.