الحلقة 810: في موسم الانتخابات: الكِذبةُ كِذبة… بيضاءُ أو سوداء
الأربعاء 3 حزيران 2009
في دراسة نَشَرَتْها مؤخَّراً مَجلّة “فوربس” للباحثة السيكولوجية بيلاّ دو پاولو (من جامعة فيرجينيا) أنّ الكذِب جزءٌ عضويٌّ من تركيب الشخصية. والدراسة حصيلةُ استفتاءٍ ميداني طوال أُسبوعٍ على 147 مشاركاً بين الثامنة عشْرةَ والإحدى والسبعين سأَلَهم الاستفتاء أن يدوِّنوا حصيلة نَهار واحد من نشاطهم مع الآخرين، وكم مرةً كذبوا خلال ذاك النهار.
وجاءت النتيجة أن سبعة فقط أمضوا نَهارهم من دون كذبة واحدة، بينما المئة الأربعون جاءت أجوبتهم بمعدل عشر كذبات خلال ذاك النهار، معظمها كذبات “مُجاملة” كي لا يجرح الْمُجيب خاطر السائل فيجيبه حدّ الحقيقة إذا كانت الحقيقة تزعج مضمون السؤال. وتحلل دو پاولو أن النساء يكذبْنَ عادةً ليُرِحْن مُحيطهنّ بينما الرجال يكذبون ليظهَروا في وضع أفضل.
وتُميّز دوپاولو بين من يحكي الحقيقة ومَن يكذب فتؤشر إلى حركات اليدين والعينين والوجه وسلاسة الإجابة أو التعثُّر بها بضع ثوانٍ قبل الإجابة الفورية المباشرة، وذلك بحسب طبيعة الكذبة والدافع إلى اقترافها. فمن يحكي الحقيقة يتبسّط في الجواب المباشر ولا إحراج، بينما الكذّاب يختصر إجابته بكلمة أو اثنتين ولا يعطي تفاصيلَ دقيقةً خوف وقوعه في انكشاف كذبته، وهو عادةً يسكُت خلال الحوار أكثر مِمّا يتكلّم، وإذا تكلّم يُحاذر أن يُخطئ فتزوغ عيناه ولا يركّز، ويُكثر من حركات يديه وعضلات وجهه، ويتلكّأ في بعض الكلمات، وقد يستعين بعبارات تَمهيدية مثل: “في الحقيقة”، أو “إذا شئت الحقيقة”، أو “لأكون صادقاً معك”، أو “في الواقع”،… وجميعها مقدماتٌ لإطلاق كذبته. وتكون لديه عادةً كلماتٌ مفاتيحُ تفضحه إذ يكرِّرها مَحطَّ كلامٍ في كل تصريح وكل جواب. وهذا التشخيص السيكولوجيّ للكذِب والكذّابين لا يفرّق بين كذبة بيضاء وكذبة سوداء. فالحقيقة واحدة ولا لون آخر لها غير الحقيقة. أما تبرير سبب للكذبة، بين بيضاءَ لغرضٍ أبيض، أو سوداءَ لغرض تَهَرُّبيّ، فأسلوبٌ لتبرير الخطأ لا يرضاه المنطق السليم ولا ترضاه النية البيضاء.
في مَثَلٍ تركي أنّ “من يقول الحقيقة لا يَحتاج أن يتذكَّر”، دلالةً على أنّ من يكذب يَحتاج أن يتذكَّر ماذا قال حتى يُبقي كذبته ساريةً، وإلاّ فضحَتْه الحقيقة. وفي لبنان، وسط موسم الحملات الانتخابية هذه الأيام، نعاين بين السادة المرشحين تصاريحَ لهم سابقة تُناقضُ تَماماً تصاريح حالية، ومواقفَ سابقة تتعاكس تَماماً مع مواقف لَهم حالية، ووقائع فضائحية تنكشف عنهم اليوم ويُحاولون طمسها بتصاريحهم ومواقفهم وعنترياتِهم، فنكتشف أن الكذب الأبيض والكذب الأسود سيّان.
الشعب يريد الحقيقة، كلَّ الحقيقة، كاملَ الحقيقة، من دون تبريرات ولا تصاريح.
من هنا أن المرشَّح الحقيقي الصادق ليس في حاجةِ أن يتذكَّر ماذا قال بالأمس كي يبني عليه ما يقوله اليوم.
نَهار الأحد (هذا الأحد 7 حزيران) فلْيقِف المواطن وراء العازل، وليحملْ ورقة الاقتراع في يد، وفي اليد الأُخرى يحمل مستقبلاً لوطنه لا يبنيه إلاّ سياسيون صادقون بيضُ النوايا ليسوا في حاجةٍ أبداً أن يتذكَّروا.
وعندئذٍ فليضعْ في الصندوق ورقة الاقتراع.