الحلقة 807: … ومعظمُهم سينتَهُون شعارات على حيطان
الأحد 24 أيار 2009
تَضيق الحيطان وسطوحُ المنازل وشرفاتُ البيوت ونواصي الأبنية، هذه الأيام، بشعارات المرشَّحين وصُوَرِهم وملصقاتِهم وعباراتِهم من كلّ نوع.
و”يتذاكى” كاتبو الشعارات متفنِّنين باستخدام الطباقِ مرةً، والجناسِ مرةً، واللعبِ على الألفاظ والأسماء مرةً، والإعلانِ بلُغةٍ أجنبية مرةً، واستخدام أقوال أو أمثال شعبية أجنبية رائجة وإسقاط معانٍ مَحلية عليها، بعضُها لا يخلو من طرافة، وبعضها الآخر سَمجٌ أو نافرٌ أو نافل. وتتلاطم اللافتاتُ واللوحات الإعلانية حاجبةً عن الرؤية أرضاً وسماءً وجبالاً وبحراً وكلَّ منظر، لتحتلّ صورُهم وشعاراتُهم كل مطرحٍ للعين ومتعةٍ للنظر.
ويؤذي في الغابة الباطونية والإعلانية من صورهم وشعاراتهم، استخدامُهم المرأةَ أحياناً لتمرير شعارٍ قد لا يؤذي قارئه بقدْر ما يؤذي المرأة نفسها، لِما فيه من تسخيرٍ لدورها، أو تسخيفٍ لعقلها، أو تسليعٍ لِجسدها، أو تسليفٍ بِمحدودية ذكائها، وهذا في جميع الحالات يؤذي حضورَها في المجتمع، نصفاً لِهذا المجتمع إن لم تكن أكثر من نصفه حين تواجِهُ رجالاً منتحلي صفة.
والمعنيُّون لا يكتفون بالشعارات والتعابير والعبارات، بل يستخدمون الألوان قاصدين بها اصطفافاتٍ لذويها ومناصريها ومغازيها، وقد يستخدمون تصميمَ الإعلان نفسَه، أو طريقةَ عرضه، للإيغال في الإثارة أو التحريض أو التلميح أو التصريح، حتى لتغدو شوارعُنا والأبنيةُ متاريسَ يقصف واحدُها الآخر من بيتٍ إلى بيت، أو من سطحٍ إلى سطح، أو من حيٍّ إلى حيّ، وهذه ظاهرة ألفناها سلميةً هادئةً ترويجية بسيطة في الانتخابات السابقة، لكنها لم تكن بِهذه الحدّة من التحريض والأذى للذوق العام والرأي العام وإثارة المناصرين ضدّ المنافسين، والمحاسيب ضد المحاسيب، والأزلام ضد الأزلام.
غير أنّ هذه جميعاً لن توصل إلى 7 حزيران إلا بزيادة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، مِمن يسيرون أغنامياً وببغاوياً وعميانياً وراء هذا المرشح أو ذاك، أياً كان شعاره وأياً كانت طروحاته، فهم مستزلِمون للرجل لا لبرنامج الرجل، ويقترعون للاسم لا لِما يَحمل هذا الاسم من قيم وطنية أو مكانة تشريعية لتَقَدُّم الوطن. وهؤلاء الأغناميون لن تنفعهم شعارات ولا صور ولا بيانات، ولن تغيِّر في قناعاتهم وببغاويّتهم.
يبقى الآخرون، مِمّن ليسوا في القطيع، وهؤلاء أيضاً لن يغيِّر في قناعتهم شعارٌ على حيط، أو قولٌ على لافتة إعلانية.
هؤلاء، هم المعوَّل عليهم أن يُحاسبوا، في 7 حزيران، بِحكمةٍ وعقلانية يحاسبوا، لأن طهارَتَهم فوق الشكوك، ولأنهم يعرفون أنّ معظم المتهافتين على السباق، شعاراتُهم تنظيرٌ فارغ، وكلامٌ مَجانِيٌّ، ووعودٌ هوائيةٌ دونكيشوتية، وسيكون مصيرُهم كمصير شعاراتهم وصوَرهم وإعلاناتهم، أي أنهم سينتهون مثلها: صُوَراً مصفرَّةً في الشمس، وشعاراتٍ باهتةً على حيطان.