الحلقة 792: هذه الباصات الدبابير في غياب التدابير
الأحد 29 آذار 2009
كأنّما لا تكفينا وقاحة مُمتَطي الدراجات النارية وتغَلْغُلِهم بيننا فجأةً في الشوارع وعلى المفارق والنواصي وإشارات السير ولا يقفون عند إشارة ولا عند تقاطع ويعبرون عكس السير، ضد السير، رغم السير، تحت أنظار شرطي حافل أو غافل، حتى تطالعنا وقاحةٌ يومية أخرى من سائقي الباصات، يتسابقون زيكزاكياً من أجل راكب، يتجاوزون من أجل تزاحم، يتوقفون من غير مَحطة وسط الطريق، عكس الطريق، في عُرض الطريق، لا من يُحاسبهم ولا من يوقِفُ وقاحتَهم وأخطارَهم على السلامة العامة.
وهذه من مشاكل النقل العامّ عندنا: لا تنظيم، لا ضوابط، لا قانون، لا ضبط مُخالفات، لا احتياطات أمان، لا توجيهات ولا تعليمات داخل الباص أو عليه، لا مَحطات وقوف تشير الى توقيت الباصات، لا خيمة تَحمي منتظري الباص من الشمس والمطر، لا توقيت للانطلاق والوصول، باصات وميني باصات تُهرول مَجنونةً رعناءَ بأبوابٍ مفتوحة، ونوافذ مكسورة، وسائق بلا حزام أمان، يدخِّن ويرمي علبة السجائر الفارغة الى الطريق، وكذا كثيرون من الركاب. وتسير باصات النقل العام والباصات الخاصة والميني باصات كالدبابير البرّيّة كأنها في مَجاهل أدغال، أو في فيافي صحراء، أو في غابٍ لا شُرعة فيه ولا شريعة ولا تشريع.
كلما أُسافر وأستقلُّ الباص أو القطار، وأنتظر في مَحطاته المضاءةِ تحت الأرض والمزيّنة بلوحاتٍ وصوَرٍ ومناظرَ جذابةٍ وأقوالٍ لأدباء وشعراء، أو فوق الأرض في مَحطات وقوف وانتظار مرتبةٍ ذاتِ مقاعدَ نظيفةٍ وسقفِ خيمةٍ مرتَّب، وخريطةٍ ملونة للحَيّ أو المقاطعة أو المنطقة التي أكون فيها، ورقم الباصات التي تقف في هذه المحطة، ومواعيد وصولِها وبلوغِها المحطة التالية كي يعرف الراكب متى يصل وأين،… أعود بالتفكير الى ما عندنا من فوضى في قطاع النقل العام والباصات، فأجدني في حالةٍ وُسطى بين الحزن والغضب: الحزن على ما لا يفعله المسؤولون، والغضب على ما يفعلونه خارج تطوير الدولة وتعويد المواطن على النظام الناجم عن هذا التطوير.
إننا في حاجةٍ الى تربيةٍ مدنيةٍ شاملة، وتأهيلٍ مواطنِيٍّ كامل، تواكبه إجراءاتُ الدولة بنتُ العصر والتقدُّم والتكنولوجيا، فالنقل العام، حين ينتظم ويفرض نظامه وانتظامه، يَحترمه المواطنون فيستخدمونه ويُخفّفون من استخدام سياراتهم، فتخف زحمة السير، ويخف هدر الوقت، ويزيد الإنتاج وتزيد ساعات العمل فينهض الوطن الى وجهٍ جديدٍ يستحقُّه لبنان كي يكون بلداً عصرياً يتمتع بالجمال الطبيعيّ لكنه أيضاً يتمتع بنظام وانتظام ونُظُمٍ ناظمةٍ حازمة تَجعل المواطن سعيداً حتى في خضوعه لصرامة القانون.