786: أيّهما أفصَح: بلاغةُ الإشارة؟ أم بلادةُ العبارة؟

الحلقة 786: أَيُّهُما أَفْصَـح: بلاغَةُ الإِشارة؟ أَمْ بَلادَةُ العبارة؟
الأحد 8 آذار 2009

إذا كانت الابتسامةُ الحافية أفصحَ طريقةٍ للتواصل، ولا تَحتاج، لفهمِها، ترجمةً من لغةٍ الى لغة، فلِلإشارات لغةٌ كاملةٌ لا تَحتاج الى ترجمةٍ لإيصالها، وتالياً هي أبلغُ لغةً من كلامٍ لا يَبلُغ متلقِّيه إلاّ إذا كان هذا المتلقّي يفهم تلك اللغة. وإذا كانت لغةُ الكلمات ترتكز على “ماذا يقال”، فلغةُ الإشارة ترتكز على “كيف يقال ماذا”، سواءٌ جاء هذا الـ”كيف يُقال” عن طريق تعبير الوجه، أو نبرة الصوت، أو اتِّجاه اليدين، أو حركة الجسد، أو مقاربة اللمس، أو أية مؤشرات أُخرى (صدرَت مؤخراً في ڤيديو خاص حقَّقه أُستاذ من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز) للدلالة على ما للغة الجسد من إشارات قد تكون أحياناً أبلغ من التعبير بالكلمات.
الشاهد من ذلك أن اللغة لا تتحدّد بالكلمات فقط، لأن لإشاراتِ أعضاءَ من الجسم أو الحواس لغةً خاصةً قد تصل أحياناً لدى الشخص الى التعبير عكس ما يقول، كإشاراتٍ للكذب أو التوتُّر تفضح صاحبها الذي يقول بالكلمات عكس ذلك.
وفي كتُبٍ وضعها البروفسور ألبرت ماهرابيان (من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس) أثبتَ أن لغة الجسم تشكِّل 50% (وأحياناً أكثر) من التعبير عن المشاعر أو الأَفكار بِحركاتٍ وإشارات تنضح بالأحاسيس الداخلية والوضع النفسي أو الذهني. ولكل منطقة من الجسم لغتُها التي تبثُّ إشاراتٍ متعدِّدةً تَختلف بين الرأْس (وجهاً وخدَّين وذَقناً وفماً وشفتين وأسناناً ولساناً وأنفاً وعينين وجبيناً وشَعراً)، أو اليد (مِعصَماً وأصابعَ ومرفقاً) أو الجذع (رقبةً وكتفين وصدراً وظهراً وبطناً وخاصرتَين)، أو الساقَين (فخذاً أو ركبةً أو قدَماً).
وإذا كانت لغةُ الكلمات واعيةً، كي تصل، فلُغَة الجسم بلا كلماتٍ، وقد تكون أحياناً عفويةً ولاواعيةً وتشير الى الانفعال أو التأثُّر أو الصدمة أو الدهشة أو الموقف أو الإثبات أو الإنكار أو الكذب أو الصدق أو الارتباك أو الغضب أو الخوف أو الاشمئزاز أو الحزن أو الفرح أو المفاجأة أو سواها…، ما يشكِّلُ الفرقَ بين الإصغاء الى أحدهم بعينين مغمضتين، والإصغاء إليه برؤية حركات وجهه أو يديه أو جسمه، لأنّ الفرق عندها يظهر بين نبرة الصوت وتعبير جسمٍ لكلِّ فاصلةٍ منه تعبيرُها الذي قد لا يتلاءم مع الكلمات التي يقولُها صاحب التعبير.
فليحذَرْ كلُّ واحدٍ أن تَخونه الإشارة حين يعتمدُ العبارة.
إنّ لعفويّة الجسم في التعبيرِ فصاحةً لا تُخطِئُها بلاغةُ الإشارَة مهما تأنَّقَت وتصنَّعتْ بلادَةُ العبارَة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*