الحلقة 739: بيروت منزوعة الاستفزازات
لـيوم الأربعاء 24 أَيلول 2008
يكثر الحديث، هذه الأيام، عن نزع الصُّوَر من شوارع بيروت، حتى بات الحديث عنها تسابُقاً بين السياسيين، كأنهم تنبّهوا فجأةً الى أنه مادةٌ دسمةٌ للتداول. وهذه ظاهرة لا تشير مطلقاً الى أننا بلدٌ عصري، لأنَّ الظاهرة نفسها يَجب أصلاً ألاّ تَحصل حتى تُصبح لاحقاً مادةً للتداول. فليس في بلدان أوروپـا، ولا في الأميركتين، هذا الكَمُّ الهائل الْمُقْرف من الصُّوَر على حيطان البيوت وأعمدة الكهرباء وسطوح الأبنية وفوق الشوارع وعلى لافتات الطرقات وعلى زجاج السيارات وعلى واجهات المطاعم والمقاهي والمحالّ التجارية،… كلُّ هذا وموسمُ الانتخابات لم يَحِنْ بعد (أو على الأقل لَم يبدأ رسمياً) مع أن جماعات “بيت بو سياسة” لا “ينفحوننا” بِتصريحٍ، هذه الأيام، إلا وعينُهم على أيار الانتخابات.
أن تكون بيروت مدينةً منْزوعة الصور واليافطات والشعارات، يعني أن تنتقلَ بيروت من التخلُّف والرجعيَّة الى التقدُّم والعصرية، فليس أبشع من منظر مدينتنا غرقى في صورٍ كبيرة الحجم حتى علوّ بناية كاملة، أو متوسطة الحجم حتى طابق بناية كامل، أو صغيرة الحجم حتى تغطّي حيطان بيوت المدينة، وتَحت معظمها كتاباتٌ وشعاراتٌ تعييشية تَهييصية مدّاحة، بعضُها استفزازيٌّ نكايةً بِخصوم صاحب الصورة، وبعضها “عَرْضْحالاتِيّ” لصاحب الصورة تبييضاً لوجه معلِّق الصورة، ومنها من لا يَهمُّه من الصورة إلا توقيعُه في أسفل الصورة (وهو يكون صاحبَ فرنٍ أو مَحلِّ خضرة أو صاحبَ دكان أو زعيمَ زاروب) فـ”يَبطح” اسمه تَحت اسم صاحب الصورة كي يلفت نظره الى اسمه هو، أكثر مِما الى مغزى تعليق الصورة في المحلة أو الزاروب أو الحي.
إنه الاستفزاز بعينه، وبسبب هذا الاستفزاز والاستفزاز المضادّ، تقعُ مشاكل، وتقع حوادث، وتقع أحداث، وتقع ضحايا بين جرحى وقتلى، وتتواصلُ صورة لبنان التخلُّف تَحت أنظار أصحاب الصُّوَر الذين تَهُمُّهم أن تبقى صُوَرُهم في الشوارع تَمهيداً لازديادها مع اقتراب أيار الانتخابات المقبل.
وكانت لافتةً وشُجاعةً بادرةُ وزير الداخلية الشاب الطموح الدكتور زياد بارود أن تتعمّم هذه الظاهرة على كلّ لبنان من أقصى شَماله الى أقصى جنوبه، كي تَمّحي ظاهرة التخلُّف عن طرقات لبنان كلِّه، وكي لا تظهر الصور إلاّ كما تظهر في الدول الراقية، بشكل مرتَّب ومدروس، قُبَيل الانتخابات، ثم يتم نزْعها مباشرةً بعد الانتخابات.
يبقى أن يلتزم السياسيون بِما به وعدوا، فيأمُروا أزلامَهم ومَحاسيبَهم وقطعانَهم بنَزْع صُوَرهم، جميعِهم بدون استثناء، فلا تبقى صُوَرُ بعضِهم وتُنْزَع صُوَرُ البعض الآخر، حتى تستعيدَ بيروتُ وجهَها المدينيَّ الْمُشرِق، وتَسلخَ عن وجهها وحيطان بيوتِها ونواصي طرقاتِها وفوق عَرض شوارعها، صوراً ويافطاتٍ استفزازيةً تؤذي أصحاب الصُّوَر واليافطات أكثر مِما تنفعهم، وَلْتَتَعَمَّمْ هذه الظاهرة على كلّ لبنان، كما شاءها وزير الداخلية زياد بارود حتى نكون (على الأقل مؤقّتاً وقبل فولكلور انتخابات أيار) خرجْنا من هُويَّة البلدان التوتاليتاريَّة المتخلِّفة، الى هُويَّة البلد الذي لا يشبه أقرانه من هذا العالم الثالث والثلاثين.