723: قبل أن يصبح لبنان غابة باطون صحراوية

الحلقة 723: قبل أن يصبح لبنان غابة باطون صحراوية
(الأربعاء 30 تموز 2008)

لا أعرف وزير البيئة الجديد الطبيب أنطوان كرم. لكنني أظنُّ الكلام في هذه الحلقة يعنيه، لأنه يعني لبنانَ الأخضر، لبنانَ البيئة الخضراء التي تتصحَّر تدريجاً بسبب غزو جحافل الباطون مدنَنا وقرانا والأريافَ والسواحلَ والجبال، وبسبب حرائقَ مُجرمةٍ تَجتاحه كلّ عام.
عن إحصاءٍ أخير، أن المساحة الحرجية كانت سنة 1965 نَحو 60% من أرض لبنان، ومع السنوات والزحف العمراني البنياني والحرائق التي اجتاحته وتَجتاحه، تقلَّصت حتى غدَت اليوم لا أكثر من 13%. هل تتصوّرون شو يعني ألاّ يكون في لبنان الأخضر سوى 13% من ذاك الأخضر الذي كان غنوة الشعراء منذ القديم، ولوحةَ “نشيد الأناشيد”، ومرنَى المزامير، واسماً تكرّر خَمساً وسبعين مرةً في الكتاب المقدس؟
مساء هذا الأحد الماضي، كنتُ مدعواً الى مَحمية أرز الباروك للمشاركة، بقصيدتي عن الجيش، في احتفال تدشين غابة شهداء الجيش في أرز الباروك، وتسنّى لي للمرة الأُولى أن أزور تلك البقعة الرائعة من أرض لبنان، ترافقُنا الأرزات من ساحة الباروك وعلوة البلدة الى قمة المحميّة: أزراتٌ أرزات، الطريق بينها مُتَأَفْعِنَةٌ في خفرٍ وغوى، الأرض نظيفةٌ مرحابة، ومئات الأرزات (كبراها وأوسطها وصغراها وغرساتُها الصغيرة) تَجعل ذاك الصدر من الجبل واحةَ أرزٍ يكبُر القلب لَها ويتقطَّر الشِعر من الغمام.
وقياساً على غابة أرز بشرّي التي أرزاتُها مهدَّدةٌ باليباس وبِسُوسٍ ينخُر قلبَها وجذوعَها (لو لم تستدركه “لَجنة أصدقاء الأرز” ليبس الأرز على جبين لبنان) نرى أن يعود الرابط بين أرز بشري وأرز الباروك، وأن يتشجّر لبنان في حيثما اجتاحه يـباس.
في جميع بلدان العالم حرائق، منها المقصود ومنها الحادثي. وفي لبنان كذلك، نَهلع كلَّ فترةٍ لاحتراق غابةٍ أو صدرِ جبل، منه مقصودٌ بأيدي مَجرمي الدمار والحقد على لبنان الأخضر، ومنه الحادثيّ بسبب احتكاكٍ أو اشتدادِ قيظ. غير أن الداء يلزمه دواء، والاحتراق دواؤه التشجير، أقلّه كي نستدركَ تصحُّر مساحاتٍ من جبالنا تسفَحُها كساراتٌ مُجرمة ولا تعيد الى المساحات المصخّرة بَهاءها الأخضر بالتشجير، كما في جميع بلدان الدنيا.
لا نستطيع منعَ المجرمين من الإحراق، أو أصحابِ الكسارات من تشويه جبالنا؟ أقلَّه فلْنعالِج بالتشجير السريع ما يعيدُ لبنان (لأبنائنا وأحفادنا إن لم نكن نَحن سنلحق ذلك) أخضرَ البهاء، فيبقى على فرادته الغالية، وإلاّ بات حبةً مسطّحةً في مسبحة الجوار والمحيط، متصحّراً، متصخّراً، وغابةَ باطونٍ صحراويةً لا مكان فيه لشجرةٍ يَحُطُّ عليها عصفورٌ عاشق يناجي ياسَمينته العاشقة.
لا أعرف وزير البيئة الجديد الطبيب أنطوان كرم. وهو نفسُه لا يعرف إن كان سيستطيعُ كثيرَ تنفيذٍ في هذه التسعة الأشهر المتبقيّة من عمر وزارةٍ كانت ولادتُها قيصرية، وقيصريةً ولادةُ بيانِها الوزاري، وعسى ألاّ تكون قيصريةً ولادةُ كل مشروع لها.
التشجير التشجير يا وزير البيئة! وحدَه، لو لَم تُحقِّق سواه، تكون حقَّقْتَه ذات يوم، ليبقى ذكرُكَ فيه كلَّ يوم.
هكذا يكون العملُ في حكومةٍ تبني للأجيال المقبلة، لا يستغلّها وزراؤُها فقط لِـپْوانتاجاتِهم الشخصية في الانتخابات المقبلة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*