701: فُصولٌ مستعادةٌ من جُمهورية جُنُونِسْتان

الحلقة 701: فُصولٌ مستَعادةٌ من جُمهورية جُنُونِسْتان
الأربعاء 14 أيار 2008

كنتُ في الولايات المتّحدة سنة 1990، حين اتصلْتُ بالصديق الشاعر نزار قباني في لندن، وسألْتُهُ عن جديده، فأجابني أنه مسرحية “جُمهورية جُنُونِسْتان”. استفسرتُ عن هذه الجمهورية وأين هي؟ فقال: “إنها في لبنان”. وكنا حقْبَتَئِذٍ في مرحلة سوداء من الحرب، تتلاطمُ فيها مصالِحُ السياسيين بِمصالِح الميليشيات بِمصالِح المسؤولين بِمصالِح الدّول التي تدير السياسيين عندنا والْميليشياويين والْمسؤولين، وكنّا في بُركانٍ هائجٍ من الفوضى والحرب العمياء. ولو لَم أَكُن أعرف نزار، وحُبَّهُ لبنانَ، وقصائدَه عن لبنان، وخوفَه من ضَياع لبنان، لَكُنْتُ لُمْتُهُ على ذاك العنوان الذي يؤْذي ويوجِعُ بقدْرِما كان فَتْرَتِئِذٍ واقعياً وصحيحاً.
مع ذلك، كان مُحْزناً من نزار بالذات أن يَسِمَ لبنان بـ”جُمهورية جُنُونِسْتان”، هو الذي قال عن لبنان:
إن يَمُتْ لُبنانُ، مُتُّمْ مَعَهُ كُـلُّ مَنْ يَقْتُلُهُ كانَ القَتيلا
كُلُّ قُبْحٍ فيهِ، قُبْحٌ فيكُمُ فَــأَعيدُوهُ كَما كان جميلا
إنّ كوناً ليس لُـبنانُ بِهِ سوف يَبقى عَدَماً أَو مْستَحيلا
كُلُّ ما يَطْلُبُهُ لُبنانُ منكُمْ أنْ تُحِبُّوهُ… تُحِبُّوه قَــليلا
مع هذا، صاحِبُ هذا الْحبِّ الكبير لِلُبنان وَسَمه ووصمَهُ بـ”جُمهورية جُنُونِسْتان”. ولكن هل كان، يومها، مُخطئاً نزار؟
ذاك الْجنون الكان مندلعاً في تلك السنوات، ألَم يكُنْ سبباً واقعياً، ولو جارحاً، لتسمية “جُمهورية جُنُونِسْتان”؟
وغابت تلك الفترة، وعاد لبنان إلى لبنان. وخِلْنا أننا خرجنا من”جُمهورية جُنُونِسْتان” إلى جُمهورية لبنان كما نُهَيِّئُ لأبنائنا أن يكون لبنان. ولَم يَعُدْ نزار إلى لبنان، وغاب في لندن قبل عشر سنوات، كأنْ هانئاً لعودة لبنان إلى لبنان، وكأنْ تاركاً لِلُّبنانيين مسرحيّته “جُمهورية جُنُونِسْتان” كما لاتِّعاظٍ ولذكرىً كي لا تعود إليهم ولا يعودوا إليها.
ولكن، جرى منذ أُسبوع ويَجري ما أعاد إلى لبنان تنينَ النار من جديد، بعد تَمهيدٍ له وتشنُّج ومتاريس سياسية وكلامية وإعلامية، وشدّ حبالٍ سياسي، وعضّ أصابعَ سياسي، وعنترياتٍ سياسية، ودونكيشوتيات سياسية، وطقمٍ سياسي موزَّعِ الأدوار بين متوتِّرٍ وموتور، وشخصيٍّ وشخصانِيّ، ومنتظرٍ تعليمات الـ”ريموت كونترول” من الخارج.
وظلّ هذا التشنُّج يتبنَّج ويتشنَّج ويتبجَّج ويتلَجْلَج حتى انفجر منذ أُسبوع وانفرجت أشداق التنين فراح ينفث نيرانه على الناس، الطيِّبين الناس، فهرب لبنان من لبنان، وانفتحَت من جديدٍ بوابة “جُمهورية جُنُونِسْتان”، ولا تزال مفتوحةً على تسونامي لَم يَعُدْ بِوِسْعِ مطْلقيه أنفسهم لَجْمُه والْحَدُّ من تَجَحْفُلِهِ وحِمَمِه وأنوائه وأعاصيره.
والناس، وسط هذا الجنون، بين ضعفاء وشهداء، بين شظايا وضحايا، بين الحزن والغضب، بين اللعنة والشكوى، بين رافضٍ هذا الوضع وقطيعٍ منقادٍ الى هذا الوضع، وطقمٍ سياسيٍّ لبنانِيٍّ هو بين بقيَّة مؤمنين بِه، وكافرين بِه منتظرينَ عودةَ لبنان إلى لبنان، رافضينَ سياسيين متطاحنين متقاتلين متكايدين ثَأْريين، يتقاسَمون النفوذ على أرض… “جُمهورية جُنُونِسْتان”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*