الحلقة 699: رأيتُ في أبو ظبي
الأربعاء 7 أيّـار 2008
أبو ظبي
يَومان لي في أبو ظبي كانا كافِيَيْن لِمشاهداتٍ ومعايناتٍ وتَعَرُّفاتٍ أشارت إِلى ثَرَوات بشريةٍ لبنانيةٍ تسرَّبت من ينابيع لبنان، وانتشرت في الإمارات العربية المتحدة، وفي مُحيطها الخليجيّ كذلك، فإذا بالعقل اللبناني منتشر في الخليج، دوَلِهِ جميعاً، يُسهم في نَهضتها، ويشارك في عمرانِها، ويساهم في تنمية اقتصادها، بينما لبنانُهُ: تتداعى نَهضتُه، ويتهدّد عمرانُه، ويذوبُ اقتصادُه، ولا حيلةَ لِهذا العقل اللبناني في إنقاذ وطنٍ له غالٍ حبيبٍ، سياسيوه يتشاجرون ويتطاحنون ويتقاتلون ويتصارعون على حلَبَات الإعلام والمنابر، فيهجُر العقل اللبناني وطنه، ويُهاجر الى دولٍ لا يهدمها سياسيوها، وإن كانوا منقسمين كما لبنان موالَياتٍ ومعارَضات، إنّما لا يصل احتدام الموالاة والمعارضة هناك الى تهديم الهيكل على جميع مَن في الهيكل، فيخرُجُ في طليعة مَن يَخرج: العقلُ اللبناني.
في أبو ظبي تعرّفتُ إلى لبنانيين ناجحين في كل حقل وميدان، ولا داعٍ للتسمية والتعداد، فكلُّ حقلٍ حقلُهم، وكل ميدانٍ ميدانُهم، يعملون فيه ويَبرعون ويُبدعون خلاَّقين منضبطين سلوكاً وانتظاماً ومهنيّةً، فلم أعرف، ولا أظن غيري يعرف، عن لبناني في الخليج حاد عن الطريق أو السلوك، بل على العكس، لم أَسمع من الخليجيين إلاّ إعجاباً باللبنانيين وانضباطِهم وبراعتِهم العالية.
وفي أبو ظبي كذلك، زرتُ “قصر الإمارات”، بكامل أُبَّهَتِهِ التي تذكِّّر بقصور الحكايات والأساطير وألف ليلة وليلة، ولكنَّ ما لفتني فيه أكثر، غيرَ العمار وفخامة البناء وغنى الشكل والتصميم والهندسة، فخامةٌ أخرى أكثرُ فخامة، وغنى آخَرُ أكثرُ غنىً، في القاعات المخصصة لعرض مُجسّمات كبيرة عن التصاميم المنويّ تنفيذها لِما سيكون عليه مشروعُ المنطقة الثقافية في أبو ظبي على جزيرة السعديات، المنطقة التي ستضمُّ متاحف ومؤسسات هامةً، منها: متحف لوفر أبو ظبي، متحف غوغنهايم أبوظبي، منتزه البينالي أبو ظبي، المتحف البحري في أبو ظبي، ومتحف الشيخ زايد الوطني، ودار المسارح والفنون في أبو ظبي (وفيها صالة أوبرا وصالة كونشرتوات وصالة مسرح).
وبقدْر ما فرحتُ لِما عاينتُ وشاهدْتُ ورأيتُ، ولِما تُخَطِّطُ له دولة قامت من فلوات الرمل الى قصور العلم والثقافة، بِهذا القدْر نفسه غضبتُ وأغضبُ وسوف أصُبُّ كل الغضب مني ومن شعبنا اللبناني الطيب، على طقمٍ سياسيٍّ لبنانيٍّ ظلَّ يتشاحن حول السلطة، ويتناتش مناصب السلطة، ويتناهش شهوة السلطة، حتى بات لبنان مفرَّغاً من قصور ثقافةٍ كانت علامتَه الفارقة، ومفرَّغاً من طاقاته العلمية والشبابية والإبداعية، ومنحدراً من علَواته التاريخية في الثقافة والإبداع، الى فلوات من الرمل السياسيّ الأجرد العقيم.