الحلقة 674: … ثُم يُرمى شبابُنا في مستوعب النفايات
الأحد 3 شباط 2008
ما زالت وسائل الإعلام تطالعُنا، من المناطق اللبنانية كافة، بأخبار اختصام شبان لبنانيين، يتراشقون بالحجارة، أو بالعصي، أو بالرصاص، ويُدمي بعضهم بعضاً، من أجل تعليق صورة أو بسبب نزع صورة سياسي يكتريهم، أو يُرسلهم، أو يتغاضى عن أعمالهم لأنها تخدمه في مصالحه الشعبية أو خصوماته وكيديّاته الانتخابية.
وأياً تكن الدوافع إلى هذه الأعمال، وما يصاحبها من شغب واختصام واقتتال، تبقى النتيجة واحدة: أزلامٌ ضدّ أزلام، ومَحاسيبُ ضدّ مَحاسيب، وقطعانٌ ضدّ قطعان، وببّغاويّون جهلة من هذا الفريق في وجه ببغاويين جهلة من الفريق الخصم.
ومِن أجل مَن كلُّ هذا؟ من أجل سياسيين سقطوا من حسابات معظم اللبنانيين حين اكتشفوا عقم هؤلاء السياسيين وتسبُّبَهم في ما وصل إليه لبنان وهُم متغاضُون أو متواطئُون أو غافلُون أو متآمرُون أو مستسلمُون أو مستزلِمُون، وفي أحسن الحالات ساذجون طوباويون مسطّحون، تَمُر المياه من تَحتهم وهم غافلُون، ويظنُّون أنهم في السياسة ينظّرون، وأنهم قرارَهم السياسيَّ مالكون، وأنهم على تغيير الوضع قادرُون، فيما هم، فعلياً، حجارة شطرنج بين أيدي كبار اللاعبين لكنهم غافلون.
مِن أجل مَن يتخاصم شبان لبنان مع أترابهم ويتشاتَمون ويقتتلون؟ من أجل سياسيين معظمُهم في إقطاعيَّتهم راتعون، أو حردانون، أو مستقيلون، أو مستنكفون، أو مقاطعون، أو مقاطعجيون، أو متعصِّبون، أو متصلِّبون، أو بكراسيهم متشبِّثون، أو مصرّحون “توكْ شُو”وِيُّون، أو أكثريُّون، أو أقليُّون، أو سلطويُّون أو متسلّطُون، أو معتصمُون، أو مُحرِّضون، أو متوتِّرون، أو موتورُون، وفي جميع الحالات عن سقوط شبابنا مسؤولون.
كأنما لا يكفي الذين سقطوا من المواطنين الأبرياء كلما طالت يدُ الإجرام أحدَ الشهداء من السياسيين أو المسؤولين، حتى يسقطَ بعدُ، تَحت الحجارة أو الرصاص، شبان مهوُوسون متهوِّسون متهوِّرون، وكلُّ ذلك من أجل سياسيٍّ متحصِّن في بيته خوف انفجار، أو في فندقٍ خوف اغتيال، أو في عاصمةٍ بعيدة خوف اعتداء.
بعد كل الذي قلنا ونقول عن ألاّ يظلَّ شباننا قطعاناً وراء الأشخاص، أيةُ وسيلةِ إقناعٍ بعدُ تردعهم عن ألاّ يظلوا أدواتٍ حيَّة في أيدي مُحركيهم من السياسيين، أو مُحرِّضيهم، أو المتغافلين عن أعمالهم ثم يُمسكون بالوضع، قال، يهدّئونه ويحصدون الشكران.
فليفهمْ شبابُنا أن سقوطهم خطأً في انفجار، أو في اقتتالٍ على يافطةٍ فوق دار أو صورةٍ على جدار، أو في مظاهرة احتجاجٍ يسبِّبون فيها الدمار، لن يكلّف السياسي، الذي يستزلِمون له، أكثر من عبارة “نأسف شديد الأسف” يقولُها من طرف شفتيه ثم يَمضي إلى حياته اليومية، ويكون الذين سقطوا، سقطوا بلا ثمن.
فيلفهمْ شبابُنا أنَّهم ليسوا أكثر من حطبٍ في مواقد سياسييهم، وأنّ مصير الحطبة الاحتراق، وأنّ بعد الاحتراق الرماد، وأنَّهم بعد أن يرمِّدوا لن يكون لهم إلاّ مصير واحد وحيد: الرميُ المجّاني في مستوعب النفايات.