الحلقة 672: صرخة الآباء اللبنانيين إلى أبنائهم المنقادين
الأحد 27 كانون الثاني 2008
شكراً لِجميع الأصدقاء والمستمعين الذين اتصلوا بي أو بالإذاعة، صباح الأربعاء الماضي بعد إذاعة الحلقة السابقة من هذا البرنامج وكانت بعنوان “لا تكونوا وراءهم قطعاناً عمياء”، مثنين على الصرخة التي أطلقَتْها صباحئذٍ، منبِّهةً شباب لبنان ألاّ يكونوا قطعاناً عمياء ببّغاوية تسير أغناماً وراء بعض السياسيين، أو بأمر منهم، أو بكبسة زرّ من إرادتهم الوصولية المصلحجية، أو بِخطاب تَحميسي تَحريضيّ.
ولفتَني أنّ اتصالاتٍ كثيرة نَهارئذٍ جاءت من آباء وجدوا ذاك الكلام يعبّر عن تفكيرهم تِجاه أولادهم الطلاب الجامعيين أو التلامذة الثانويين أو المنصرفين إلى سوق العمل، مِمّن ينقادون حماسياً وراء هذا أو ذاك أو ذلك من السياسيين، فينخرطون في خلايا طلاَّبية جامعية، أو تَجمُّعات سياسية اصطفافية، أو تشكيلات فئوية، ترغمهم على المواجهة في موقفٍ أو معسكرٍ أو اتّجاه مناهضٍ زملاءَ أو رفاقاً لهم أو أصدقاء، فيتناصبون العِداء في ما بينهم كرمى لشخص السياسي، ويُلصقون صوره على النوافذ أو الشرفات أو الأبنية أو نواصي الشوارع أو زجاج السيارات، ويرفعون شعاراته ويَحملون يافطاته وبيارقه وأعلامه ولافتاته وأقواله، ويعيّشون اسمه، ويهيّصون باسمه، ويتعصّبون له مهما قال، وكيفما قال، وأنّى قال، وهذا يرهق الأهل باصطفافات أولادهم وانقساماتِهم وانقياداتِهم الببّغاوية وراء السياسيين.
طبيعيٌّ أن يكون في صفوف الشباب (في لبنان كما في كل العالم) حزبيون أو مناصرون، ولكنْ من أجل عقيدة أو إيديولوجيا أو مبادئ راسخة في العقيدة، لا كما عندنا في لبنان (وفي سائر هذا العالم العربي التوتاليتاري التاعس) حيث الشبان والصبايا حبوبٌ في سبحة سياسي أو رقمٌ في حسابات آخر، يتحرّكون – لا من أجل عقيدة أو إيديولوجيا أو مشروع وطني لمصلحة الشعب-، بل يتحرَّكون من أجل شخص شخصيّ شخصانيّ يتحدّى خصومه بأولادنا، ويهدّد خصومه بإنزال أولادنا إلى الشارع، ويضرب خصومه بأولادنا، ويثير الشغَب بأولادنا، ويُحرق الدواليب بأولادنا، ويقطع الطرقات بأولادنا، ويُقفل المدينة بأولادنا، ويعطّل المواصلات بأولادنا، ويوقِف البلد بأولادنا، وهو راتعٌ بنرسيسية سادية أمام شاشة التلفزيون في بيته هانئاً،كَـنَيرون المتأمّل روما تحترق، فيتأمل انتصاراته على خصومه بأولادنا، ويُحصي الجرحى من أولادنا، ويُبدي أسفه معزّياً بالشهداء الضحايا من أولادنا.
هو هذا ما يُرهق الأهل (غير الاصطفافيين طبعاً) أنْ يكون أولادُهم أدواتٍ روبوتيّة بين أيدي السياسيين، وأولادُهم لا يدركون أنهم هم القاعدة التي يَتَبَهْوَر بها السياسيون، فإذا أشاح أولادُنا عنهم سقطت قاعدة السياسيين وباتوا بلا قاعدة، فَبِمَن عندها يَتَبَهْوَرُون، وما تعود بعدَها قيمتُهم أو فعاليتُهم؟ وأيُّ وزنٍ يعود بعدها لِحضورهم السياسي على الأرض؟
أولادُنا الحطب في مواقد السياسيين، أولادُنا الحبوب في سبحات السياسيين، أولادُنا الأعداد في “پـوانتاجات” السياسيين، أولادُنا هؤلاء، أحبابُنا هؤلاء، فلْيَفْهموا أنّ مستقبلهم الجامعي أو المهنيّ مُلْكُهم هم، لا يبنيه هذا السياسي ولا ذاك ولا ذلك، بل يبنونه هم بالتحصيل العلمي الذي يفتح لهم فُرَصَ الحياة في وطن المستقبل.