الحلقة 666: قبل أن يفتك التدخين بأولادنا !!
الأحد 6 كانون الثاني 2008
قبل أسابيع، وفي بيت الطبيب (مقرّ نقابة الأطباء في لبنان)، عقدَت جمعية “حياة حرة بلا تدخين” لقاءً تنويرياً تحت شعار “لا للسيكارة الأولى” ظهر من إحصاءاته واستقصاءاته العلمية الميدانية أنّ 40% من تلامذة لبنان المراهقين مدمنُون على التدخين: 43% منهم يدخّنون مع أصدقائهم علناً، و33% يدخنون لوحدهم سراً، و30% مع أفراد العائلة. وأظهرت إحصاءات ميدانية أخرى أن 50% من التلامذة بين السابعة عشرة والثامنة عشرة تناولوا السيكارة الأولى في سن الخامسة عشرة.
هذا اللقاء، لأهميته، يجب أن يتكرّر ويتنقّل من مدرسة إلى أخرى. لا أعرف هذه الجمعية ولا أعرف أحداً منها، وسررتُ أن أقرأ، غداة ذاك اللقاء، أنها تنوي إنشاء نوادٍ في المدارس للتوعية على مضارّ التدخين ومكافحته بالإقناع العلْمي والصور الطبية والبراهين الصحية والمنشورات والأفلام والمحاضرات والندوات ونقاشات هادئة تتناسب وعقلية المراهقين ونتعاتهم الانفعالية.
ألا تكفي نكبة مُجتمعنا بالمدخّنين البالغين الراشدين، حتى تنتقل هذه النكبة إلى فاجعتنا بشبابنا وصبايانا المراهقين؟ ولَكَم يوجعني أن أراهم في ملاعب الجامعات حاملين السيكارة بين أصابعهم وعلبة السكائر في يد، وفي الأخرى جهازهم الخلوي، الشباب شعرهم منفوش منبوش على الموضة، والصبايا لم تبق عالقةً على جسدهنّ إلا رقعة ثيابٍ بِحجم ورقة التين.
جمعية “حياة حرّة بلا تدخين” لا تكفي لوحدها كي تقوم بهذه الحملة التوعوية. يجب أن تتآزر لها الجمعيات الأخرى والنوادي وهيئات المجتمع المدني الأهلي، فيفهمَ جيل المراهقة من شبابنا وصبايانا أن التبغ هو ثاني سبب وفاة في العالم، وهو المسؤول اليوم عن وفاة واحد من كل عشرة بالغين في مُختلف دول العالم”.
أعرف سلفاً أن الجواب الأسرع للمراهقين عن توعيتهم على مضار التدخين هو أن التدخين لا يقصّر العمر، ويروحون يعطون نماذج وأمثلة، هذا عن جدّه في الضيعة وهو مات والسيكارة في يده، وتلك عن ستّها التي كانت تدخّن وعاشت حتى التسعين، لكنّ هؤلاء الأحبة الناشئين لا يعرفون أن الهدف ليس التركيز على تقصير العمر، بل على رواسبِ التدخين ونتائجِه الغريبة في سنوات العمر الأخيرة التي، عوض أن يُمضيها الإنسان في هناءة ورغدٍ وسلامة صحة، يُمضيها في المستشفيات، وعند الأطباء، وفي المصحات والمستوصفات، وفي تناول الأدوية لأمراضٍ كثيرة في الجسم لا يعرف المريض أنها نَجَمَت تدريجياً عن ضعفٍ في مناعته بسبب ما امتصّ التدخين في شبابه من تلك المناعة، حتى نشفَت عروقه تباعاً، وضعفَت عضلة قلبه، وانسدّت شعاب شرايينه، وبات يسعل ويَمرض ويزكِّم، وتترجرج حرارته، ويتلاعب ضغط دمه، ويخفّ نظره، وترتجف يداه، وهو لا يعرف أن كل هذا ناجمٌ عن امتصاص حيويته التي تآكلت مع الأيام حين كان يمسك بسيكارته، يَمُج دخانها القاتل إلى جوف صدره ورئتيه، ثم ينفخ دخانها في الهواء متباهياً، متفنناً بإخراج الدخان المسموم من فمه ومناخيره.
جمعية “حياة حرة بلا تدخين”، تَحيةً لأعضائها من دون أن أعرفهم، وتَحيةً لكلّ من يسعى إلى إبعاد سرطان التدخين الوقح عن شبابنا الذين لا يعرفون أنهم يَمتصُّون سرطان الموت مع كل مَجَّة سيكارة.