637: كي يظلّوا يتشبهون بشارل شيخاني

الحلقة 637: كي يظلوا يتشبهون بشارل شيخاني
(الأربعاء 26 أيلول 2007)

بعد إنهاء دروسه الثانوية في معهد عينطورة، والعليا في جامعة الروح القدس (الكسليك) والتخصُّصية من جامعة كبرى في نيس، رفض فرصةً للعمل في فرنسا وأصرّ أن يعود الى وطنه، فعاد الى لبنان حاملاً اثنتين: شهادة عليا وحماسة كبرى.
ولم يطل العمل في لبنان حتى تناهى إليه وظيفة مرموقة في شركة كبرى لمع نجمه فيها فَرَفَّعَتْهُ بعد أشهر وجيزة الى مسؤولية أعلى لَمع فيها بسرعةٍ فبشّرتْهُ إدارتُها بمنحةٍ مالية يقبضها نهاية هذا الشهر (أيلول) مع راتبه الشهري بعد أيام.
هزّته البشرى فرحاً، فاتصل بالبيت قائلاً إنه آتٍ يشارك والديه الفرحة، وراح يعرِّجُ على معرض سياراتٍ يختار منه واحدةً بات بإمكانه شراؤُها بفضل المنحة الآتية آخر الشهر. وقبل وصوله بأمتار الى معرض السيارات، كان أقربَ سيارةٍ تَمرُّ حَدَّ السيارة المفخخة التي فجَّرت حياً كاملاً في سن الفيل وأودت بنائب شهيدٍ وخمسة شهداء آخرين واثنين وتسعين جريحاً.
هكذا: لم يصل شارل شيخاني الى معرض السيارات كي يختار سيارة حلمه، ولا وصل الى البيت كي ينقل فرحة البشرى، ولا عرف ما الذي جرى. مَن عرفوا، هم أهله الذين تعرَّفوا الى جثته الهامدة في المستشفى.
في العادة أن تتمسك الأُم بابنها فترجوه أن يعود الى حنانها لتفرح به أمامها، ويتمسَّكَ الأَبُ بابنه أن يعود الى الوطن فيغتبطَ بابنه تحت سقف بيته. بعد شارل شيخاني، هل ستظل الأُم تتمسك بعودة ابنها الى الوطن؟
شارل شيخاني عاد الى الوطن فرماه الوضع السياسي والأمني في الوطن جثة هامدة داخل غرفة الطوارئ في المستشفى، وانطفأت معه ثمانٍ وعشرون سنةً من ربيعه الطري، مُمتلئةً حياةً وحيويةً وصداقةً فريدةً وديناميةً نادرةً قصفت بموته صعقة أهله وأصدقائه الذين لم يبكوه يوم وداعه بقدرما بكوا وطناً ينقصف شبابه ضحايا همجيةٍ ولّدتْها غابةُ أدغال مشرّعةٌ لدخول المرتزقة والقراصنة من جميع قبائل الشر وعصابات الغدر المأجور وعملاء اليوضاسيين من داخل ومن خارج.
انفجر شباب شارل شيخاني، ولن ينفع في بلسمة طعنة أهله كلامُنا مهما عزّى وثار وانتقم. فالطعنة ليست في قلب أهله ورفاقه وأصدقائه، بل في قلب الوطن، هذا اللبنان المصلوب الذي يطعنه بحربة الغدر يوضاسيون خونة، وفريسيون عملاء، ووصوليون مأجورون أو مُحرّضون. فأمثال شارل شيخاني من الشباب خارج الوطن لن يعودوا حتى يعود لبنان الى لبنان، وأمثال شارل شيخاني هاجروا أو لا يزالون يهاجرون غير ملتفتين الى الوراء حتى يعود لبنان الى لبنان.
فاجعة شارل شيخاني أنه صدّق، آمن، تحمّس للبنان، حسِبَ الوطن عاد الى لبنان، ولم يحسب أنْ ليس في “بيت بو سياسة” صدق ولا إيمان ولا حماسة إلا لشخصانية فردية كيدية سادية تُحرق روما لبلوغهم كرسياً أو للبقاء على كرسي. فليس في حسابهم أن الناس كفروا بهم. وليس في حسابهم أن يتشبّه شبابنا بشارل شيخاني فيعودوا من تخرجهم في الخارج ليعملوا في لبنان، ليفاجأُوا بأنه لا يزال مزرعةً للسياسيين، وغابةَ أدغال مشرعةً لدخول عصابات المرتزقة ورعاع القراصنة.
والى أن يعود لبنان الى لبنان ستظل الأُم تعصر قلبها وترجو ابنها ألاّ يعود الى لبنان، كي لا يسقط مجاناً ضحيةَ قرصان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*