الحلقة 622: يقولون لي هنا في المغرب
(الأحد 5 آب 2007)
لم أكَد أعود يوماً واحداً إلى بيروت من عمّان، مطلع هذا الأُسبوع، حتى سافرتُ مُجدّداً إلى هنا، إلى المغرب، مدعُوّاً من مهرجان “ملتقى أصيلة” الشهير، المعروف بـ”ملتقى أصيلة الثقافي الدولي”، في دورته التاسعة والعشرين هذا العام.
وبوُصولي إلى هنا، إلى هذه البلدة البحرية المغربية الجميلة، ما كنتُ واهماً أن أعرف أحداً أو يعرفني أحد. مع ذلك، مساء أمس السبت، في الاحتفال الكبير الذي شهده القصر البلدي التراثي هنا في أصيلة، احتفاءً بافتتاح المهرجان في الندوة الرئيسة “أفريقيا وأوروبا: تحديات الأُولى والتزامات الأخيرة”، تعرفتُ إلى نفر مشاركين آتين من مختلف دول العالم، ما إن أتقدَّم منهم معرِّفاً بي، ويقرأُوا اسمي واسم بلدي لبنان في بطاقة المهرجان المعلَّقة على صدري، حتى يَهتمُّوا ويعلِّقوا.
كانوا يهتمُّون بالسؤال عن لبنان وما يجري فيه، ويعلِّقون، على ما يَجري فيه، بلهجة استغرابية استهجانية استنكارية مفادُها أنْ ألا يدري سياسيوكم أيَّةَ جوهرة يُضيعون من بين أيديهم، مرشَّحةٍ لأن تنهارَ وتندثرَ وتتلقّفَها أيدي الآخرين تعبثُ بها أو تَضمُّها إليها أو تتبناها كما يتبنى اليتيمَ أيُّ مُحسن أو ميتم؟ أتَعُون أن بلدكم، واليوم تتقاذفُ قضيتَه الدول، عربيُّها والأجنبي، سيصبح يتيماً على باب ميتم؟
الشاعر والبرلماني السنغالي الحاجي حميدو كاسّيه، قال لي إن أكبر جالية أجنبية في السنغال هي الجالية اللبنانية، فيها سنغاليون من أصل لبناني، وفيها لبنانيون يعملون في قطاعات حيوية مختلفة من السنغال، وهُم مشهورون بنباهتهم وذكائهم وولائهم للبنان ووفائهم للسنغال، وتضامنِهم وتكتُّلِهم مع بعضهم البعض، ويَجمعُ اليوم بينهم غضبٌ على بعض سياسيين في لبنان شخصانيين يَجرُّون البلاد إلى مَجهول مأْساوي فاجعيّ.
رجل الأعمال السعودي عبدالحميد الصالح قال لي إن له بيتين في لبنان، وهو مستثمر كبير في غير قطاع عقاري وفندقي وصناعي في لبنان، ويُمضي صيفه كل عام في لبنان متابعاً مشاريعه الاستثمارية، لكنه، الصيف الماضي وهذا الصيف، لم يذهب إلى لبنان، وحوّل استثماراته بملايين الدولارات إلى بلد آخر في المنطقة.
مسؤول مغربي كبير رحّب بي باسماً لأنني جئتُ إلى هنا، إلى مهرجان أصيلة، وأسِفَ ألاّ يكونَ الحضور اللبناني كثيفاً هنا، بسبب ما يجري في لبنان الذي في عادة المهرجان أن يحفل منه بمشاركين لبنانيين يشعون في ندواته وفعالياته الكثيرة.
صديق فرنسي التقيتُه هنا جاء من باريس قال لي: “كم يليق مهرجانٌ من هذا النوع أن يكون في لبنان، لبنانَ الحيويّ، لبنانَ الثقافي بامتياز، لبنانَ الذي ينظِّم مهرجاناتٍ ثقافيةً دوليةً تستقطب العالم. ولكن، أنّى له ذلك اليوم، وربما لفترة مقبلة، وفيه سياسيون يقودون به إلى المهوار”؟
هذا اللبنان… هذا اللبنان… أيُّ سرٍّ فيه؟ يهلع له المخْلصون في العالم خوف أن يضيع، وفي شرايينه يسري دم سياسي فاسدٌ مسموم يقترب سُمُّه شيئاً فشيئاً من القلب حتى يكادَ يقضي على نبضه الأخير !
يا شعبَ لبنان، يا شعبَنا الطيِّب، كُفَّ أن تكون قطيعاً أعمى وراء سياسييك. عاقبهم بإسقاط كراسيهم عن أكتافك.
كنتم معي من أصيلة في المغرب. إليكم بيروت.