شـوپان… عاشقها أم ضحيّتها؟
الجمعة 29 كانون الثاني 2010
– 633 –
ارتبط اسمها وحدها به حتى التصق بأعماله. لكن اسمه لم يرتبط بها وحدها ولا بأعمالها. فهل صحيح أنه كان “هو” حبّها الكبير كما كانت “هي” حبّه الوحيد؟
حين عرفَها (ذات سَهرة سنة 1836 لدى الكونتيسة ماري داغوت عشيقة صديقه فرانز ليسْت) كانت معروفة بعلاقاتها السابقة مع الروائي جول صاندو (هل أخذت من اسمه اسمها المستعار؟) والشاعرَين پروسپير ميريميه وأَلفرد دو موسيه وأربعة آخرين. غداة تلك السهرة كتب الى صديقه المؤلّف الموسيقي فردينان هيلر: “كم هي منفِّرة، هذه المرأة! لكن فيها صفات المرأة الكاملة”. وغداة تلك السهرة أيضاً كتبَت هي الى صديقها (وصديق شوپان) ڤويتْشِك زيمالا رسالة من 32 صفحة صارحته فيها بِمَيلها الشديد الى شوپان، وبرغبتها في قطْع علاقتها العاطفية فترتذاك مع فيليسيان مالفيل، وبدء علاقة مع شوپان.
بعدها بأشهر، في صيف 1838، انكشفت العلاقة بين جورج صاند (1804-1876) وفردريك شوپان (1810-1849). كان هو في الثامنة والعشرين، وهي تكبره بِسِتّ سنوات. في نهاية ذاك الصيف خافَت على صحته من التدهور إثر انهيار أصابه فحملتْه، مع ابنتيها، الى جزيرة مايوركا الإسپانية أشهراً شتائية صعبة زاد من صعوبتها اكتشاف أهالي الجزيرة أن شوپان وصاند ليسا متزوجين، وهو ما يخالف معتقداتهم الدينية، فخاصموهما واضطرت صاند الى نقل عشيقها المريض من قلب الجزيرة الى دير رهباني بعيد في ضيعة ڤال دي موسى (“وادي موسى”؟!) النائية عند أطراف الجزيرة. وإذ تعثَّر نقل الپيانو الخاص بشوپان من پاريس الى تلك الضيعة الجزيرية النائية، بسبب ارتفاع الضريبة الجمركية، دفعت صاند المبلغ المطلوب كرمى لعشيقها الذي انصرف، عند وصول ذاك الپيانو، الى وضع مؤلفات موسيقية متلاحقة هي بين أجود أعماله. ويرى مؤرخوه أن إقامته تلك، رغم البرد القارس الذي اعترى ذاك الدير النائي في تلك الضيعة النائية، كانت من أكثر فترات حياته خصوبة تأليف.
كان فترتها مملوءاً بذاك الحب الهيمان الجميل، في حضور المرأة الذي خضّتْه، غيَّرتْه، حضَنتْهُ، فملأت حياته غبطة وسعادة. عند اشتداد مرضه وإصابة رئتيه بسبب البرد الشديد، حملتْه من جديد (مع ابنتيها) الى برشلونة ثم الى مرسيليا (1839) حتى عادت به الى پاريس حيث غادر شقته الصغيرة في شارع ترونشيه لينتقل فيعيش مع حبيبته في بيتها (شارع پيغال). كان يُنتج ويُنتج، بلا راحة، بين بيت حبيبته في باريس وبيتها الصيفي الهادئ في نوهان (وسط فرنسا). وفي تلك الفترة (حتى 1846) وضع شوپان روائعه الخالدة التي باتت اليوم أكثر مقطوعاته عزفاً في برامج الأوركسترات العالمية.
كان مغموراً بها، مأخوذاً بالحب الذي يُغدقه عليها حناناً، ويقطف منها إحاطة مشوبةً ببعض حيادية تقهره. وكانت هي ترعاه باهتمام. وفي نص كتبتْه عن سهرة تأليف في بيتها الصيفي، حضرها الرسام الكبير دولاكروى، وصفَت شعلة الإلهام في تأْليفه، وهو الى الپيانو، بكلمات تنضح إعجاباً يشي بأن ليس في الوارد أن تتخلّى عنه لأيّ سبب، رغم قسوة شخصيتها.
مع 1846 بدأت العلاقة تفتر بينهما. وسنة 1847 أصدرت روايتها “لوكريسيا فلورياني” عن ممثلة ثرية وعلاقتها بأمير ضعيف البنية هزيل الصحة، فعزا النقاد عقدة الرواية الى علاقة الكاتبة بشوپان، لِما فيها من قسوة الممثلة ووهن الأمير.
علامة تلك العلاقة بين شوپان وصاند كشفَها صديقُهما المشترك فويتْشِك زيمالا الذي عاش قصَّتهما طوال سنواتها العشر (1837-1847). وها هو يكتب: “مات شوپان قهراً في التاسعة والثلاثين. ولولا سوء حظه بعلاقته مع المرأة القاسية جورج صاند التي عذّبتْهُ وسَمَّمَت كل حياته لكان حتماً عاش حتى التسعين”. كتب ذلك لدى موت شوپان في 17 تشرين الأول 1849.
في 30 تشرين الأول كان كثيرون يمشون في جنازة فردريك شوپان، حزينين لانطفاء الموسيقي العبقري الشابّ !
… ولم تكن بينهم جورج صاند.