الحلقة 548: قالب كاتو على شرف حفرة
(الأربعاء 8 تشرين الثاني 2006)
سيارتي جديدة. عمرها بضعة أشهر. أخاف من سقوطَها في الحفر على الطرقات، فأقودها بانتباه وهدوء وتؤدة، وببطء يُزعج مَن معي فيها ومَن حولي من السيارات.
أصدقائي، هذه المقدمة ليست موضوعَ إنشاءٍ مدرسياً لتلميذ ابتدائي، بل هي كلام بسيط لواقع بسيط قلتُه بكلماتٍ بسيطة، لا لأُخبركم عن سيارتي بل عن سرطان يصيب سياراتكم جميعاً.
سيارتي الجديدة هذه والعُمرها بضعة أشهر، لاحظتُ فيها الأسبوع الماضي بعض انحرافٍ في سيرها على الطرقات القويمة. ظننتُ الأمر من خلل في طرقاتنا التي، كما لا يخفى على حضراتكم، تفتقر إلى أدنى مستوى مواصفات الطرقات لدى أكثر البلدان تخلفاً في العالم. ولما تكرر الانحراف مررتُ بالكاراج المختص ففحصها الأخ المختص وقال لي بلهجة حازمة: “الخلل في الميزان يا أستاذ”. وحين هممتُ بمشروع جدال معه بأنني أقود سيارتي ببطءٍ يجنّبها السقوط في الحفر، أشار صامتاً إلى كومبيوتر دلّ بوضوحٍ لا يحتاج جلسات حوار ولا تشاور على خلل واضح في ميزان السيارة.
وفيما هو يصلح الخلل شرح لي أن الأمر ليس سقوطاً في حفرة أو حفر، بل هو رجيج السيارة طوال الوقت على طرقاتٍ مسنَّنة مضرَّسة محفَّرة مشقَّقة مرقّعة بما هو أسوأ من الحفر، عدا طبعاً ما يتخلّلها من حفر وآبارٍ وأفخاخ وقنوات في عرض الطريق وريغارات في وسط الطريق (مفتوحة أو عالية) وأخاديد وتضاريس ووديان وتلاّت ووعورات قاتلة ومطبّات، وزفتٍ زال هنا، أو تقبُّب قبباً هناك، أو شقوق في عرض الطريق أو على جانبها. وهذه الرجرجات التي تبلغ آلاف الآلاف كل يوم هي التي تفكفك ملمتراً بعد ملمترٍ مفاصلَ السيارة الجديدة فيتخلخلُ ميزانها وتتخلخلُ كلُّها ولو كان عمرها شهراً واحداً، ذلك أن مصانع السيارات تصنع السيارات كي تسير على طرقات ذات مواصفات معروفة، لا على طرقاتنا التي أصبحت وعراً أفريقياً وجلالي بطاطا تأبى أن تسير عليها حتى تراكتورات الفلاحة.
وأنا خارج من الكاراج (وطالما الزمن اللبناني اليوم هو زمن الشارع ومظاهرات يُخشى أن تقابلها مظاهرات مقابلة من شارع مقابل) مَرَّ ببالي أن أطرح فكرة القيام بمظاهرات لا يعترض عليها أحد من الشارع المقابل بل تُوحِّد الشوارع كلها إلى شارع معارض واحد حول موضوع معارضة واحد، والفكرة أن يتظاهر اللبنانيون كي تدفع الدولة رسوم الميكانيك للمواطنين بدل أن يدفع المواطنون رسوم ميكانيك لدولة تترك طرقاتها جلالي بطاطا وتطالب المواطنين بمعاينةٍ لسياراتهم التي لا يخربها ويخلخلها إلا هذه الطرقات اللبنانية التي هي واجهة عار لزوارنا والسياح.
مساء أمس أخبرتُ صديقي الياس الرحباني بالأمر فدعاني لأشاركه إطفاء شمعة على قالب حلوى في ذكرى مرور عشر سنوات على حفرة مفتوحةٍ قرب بيته في أنطلياس، فوافقت على الدعوة شرط أن نتصل بمسؤول كبير في وزارة الأشغال يشاركنا الاحتفال كي نطرح عليه سؤالاً بسيطاً عند إطفاء الشمعة. والسؤال البسيط هو: “وزارة الأشغال، شو بتشتغل”؟