546: هم يتاجرون وشبابنا يهاجرون

الحلقة 546: هم يتاجرون وشبابنا يهاجرون
(الأربعاء 1 تشرين الثاني 2006)

الذين لم يَعُدْ رادعٌ يردَعُهُم عن إطلاق مواقفهم الحادّة من وراء متاريسهم السياسية هل يتنبّهون إلى شبابنا ماذا يفعلون؟
الذين يتصايحون كلٌّ من موقعه من دون احتساب ردود الفعل في الموقع المقابل، هل يتنبّهون إلى شبابنا ماذا يفعلون؟
الذين يمارسون الفردانية والشخصانية والأنانية والمصالح الموصلة إلى رغباتهم، هل يتنبّهون إلى شبابنا ماذا يفعلون؟
الذين يملأون الصحف والإذاعات والتلفزيونات وبرامج الـ”توك شو” بتصاريحهم، هل يتنبّهون إلى شبابنا ماذا يفعلون؟
الذين يمارسون الاستفزاز يومياً غير مدركين أن الوطن يفرغ من أنضر أبنائه، هل يتنبّهون إلى شبابنا ماذا يفعلون؟
شبابُنا… شبابُنا اليائسون، المصدومون، الغاضبون، الهاجّون إلى أبواب السفارات وعلى مداخل الدول بعدما فقدوا في دولتهم الأمان وشعروا أن وطنهم جعله بعض سياسييه شحَّاداً على أبواب الدول يلمُّون المساعدات كي يرسلوها إليه.
شبابُنا الذين جعلهم السياسيون عندنا أربعة أقسام: قسم أول حطبٌ في مواقد السياسيين وحبوب في سبحات السياسيين وقطعان في مهرجانات السياسيين، وقسم ثانٍ غاضب حياديٌّ لا يريد أن يكون قطيعاً وراء أحد وينتظر تأشيرة السفر كي يهاجر، أو انه مغلوب على أمره ولا يستطيع أن يهاجر، وقسم ثالث خارج لبنان ينظر إلى لبنان بأسى وأسف وينتظر أن يهدأ الجو ويعودَ الأمان كي يعودَ إلى لبنان، وقسم رابع خارج لبنان ينظر إلى لبنان بِحزن وغضب ولا يريد أن يعود إلى لبنان ولا يريد أن يبحث بأمر الرجوع إلى لبنان.
أربعة أقسامٍ شبابُنا، وكل قسم منهم موجعٌ أكثر من الآخر. ومع ذلك يواصل السياسيون القصف السياسي والتصاريحي والمواقفي من دون التنبُّه إلى أنَّ الوطن يفرَغ من شبابه ولم يعُد قادراً على وقف تسرّب النّزف الشبابي كالزئبق ليس من يوقف تسرُّبَه من بين الأصابع.
هي هذه فاجعة لبنان اليوم مع شباب لبنان.
السياسيون يتاجرون، وشبابُنا يهاجرون.
السياسيون يتاجرون بمصير الوطن، وشبابنا يهاجرون من الوطن.
السياسيون يتمهْرَجون وشبابنا يتجمهرون.
السياسيون يتمهرجون في الساحات متكلين على شبابهم الأزلام والمحاسيب، وشبابنا يتجمهرون على أبواب السفارات أو على مدخل المطار منتظرين موعد إقلاع طائرتهم غير آسفين ولا ملتفتين حتى إلى أُمٍّ تودّعهم بدموع قهر حارقة.
الذين يتشدّقون بإصرارهم على بناء دولة قوية، أيةَ دولةٍ يريدون أن يبْنوا ولن يعود في الدولة دمُ الشباب الذي، إذا غاب عن الشرايين، لن يعود في الشرايين إلا الدّمُ الفاسد، وأيُّ جسم سيعيش إن كان في شرايينه دم فاسد؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*