الحلقة 536: الإعلام والتحريض و”صوت لبنان”
(الأربعاء 27 أيلول 2006)
في حديثه الهادئ الموضوعيّ الرصين إلى الزميلة “وردة” في برنامجها الأسبوعي “صالون السبت من “صوت لبنان”، قال سيادة المطران بشارة الراعي إن تلك الموجة الهائجة من الاعتراض على مُحاضرة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في ألمانيا انطلقت من بعض الصحف الإيطالية التي صدرت غداة المحاضرة وفي مانشيتاتها بعض التحوير في عناوين محاضرة قداسة البابا أو على الأقل بعض الاستنساب الذي استخلصه الصحافي المسؤول عفواً أو عمداً، ومن تلك المانشيتات المحوَّرة أو المستنسبَة فُهِم من كلام البابا ما راج في الأوساط على أنه تهجُّمٌ أو نقدٌ للمقامات والقيم الروحية غير المسيحية.
هذا الأمر، وسط ما يحوطنا من أوضاع سياسية دقيقة في هذه المرحلة السياسية الدقيقة، تنطبق بالشكل الواسع على ما يجري حالياً في لبنان من مانشيتات في الصفحات الأُولى من بعض الصحف، وفي كلام الغلاف لبعض المجلات، وفي مقدمات نشرات الأخبار لبعض الإذاعات والتلفزيونات، ما يجعل النشرة كلَّها موجَّهَةً سلفاً صوب اتجاه واحد أو انحياز واحد أو تعصب واحد أو متراس واحد، ما يجعل الوسيلة الإعلامية، على الأقل في نشرات الأخبار، متراساً إعلامياً أو صحافياً عوض أن تكون منبراً ليبرالياً لنقل الوقائع مثلما هي، كما هي، من دون توجيه القارئ أو المستمع أو المشاهد إلى اتجاه تفرضه عليه هذه النشرة أو تلك المانشيت.
وليست مصادفةً أبداً أن تكون إذاعةُ “صوت لبنان” إذاعةَ جميع الاتّجاهات في لبنان، من أقصى يَمينها إلى أقصى اليسار، قياداتٍ سياسيةً وقواعدَ شعبيةً ومستمعين من جميع المراوح الاجتماعية والحزبية في لبنان وفي جميع أنحاء العالم، حتى ليشعر المستمع من أي اتجاه كان أنها إذاعته، تعمل بموضوعية وبدون انحياز وبدون تعصب وبدون فئويّة وبدون توجيه، على نقل الوقائع التي تحصل، كما تحصل، مثلما تحصل، وتترك للمستمع أن يتّخذ من الخبر الموضوعي ذاتية له أو موقفاً شخصياً أو اتجاهاً فردياً.
وكذلك تفعل بعض الصحف والمجلات ولن نسمي. وهذا هو العمل الصحافي والإعلامي الاحترافي المهني الرصين، على الأقلّ في نشرات الأخبار أو مانشيتات الصفحات الأُولى وتغطية الحدث السياسي. أما التعليقات، في المقال أو في الزاوية الإذاعية، فهذا معروف أنه موقف خاص يحمل بصمات صاحبه ولا يُلزم الوسيلة الليبرالية، صحيفةً كانت أو مجلة أو إذاعة.
هذا هو دور الإعلام الاحترافي في جوهره المهني، وإلاّ كان إعلامُنا توتاليتارياً مسموماً فئوياً، كما يحصل في البلدان التوتاليتارية ذات الإعلام الموجَّه، كما في البلدان المحيطة بنا، وما أكثره وأكثرها، وهو ما لا يرضاه ولن يرضاهُ لبنان في إعلامه الذي انطلق وكان ولا يزال وسوف يبقى منارة الصحافة والإعلام في هذا الشرق العربي التوتاليتاري التعيس.