الحلقة 531: لا فكّ الحصار بل فكّ الخوف
(الأحد 10 أيلول 2006)
أما الآن، بعد فكّ الحصار عن لبنان جواً وبحراً بفضل تدخُّل الخارج، فالأهم بات فكّ الخوف بفضل تدخُّل الداخل.
وإذا كانت الأجواء انفتحت جواً وبحراً أمام المغادرة والوصول، فالأهم ألاّ تنفتح أمام شبابنا وأهالينا للمغادرة، والوصول إلى حيثما يبقون ولا يعودون، أو يسعون إلى البقاء ولن يعودوا، وإغراءات الهجرة اليوم كثيرةٌ في بعض دول العالم.
كيف نتجنّب ذلك؟ بعد فكّ الحصار عن الأجواء، يجب فكُّ الخوف عن القلوب. والخوف اليوم خوفان: خوف من عودة الحرب على لبنان، والخوف من عودة الحرب في لبنان. وإذا كانت الدول الكبرى (بشكل أو بآخر، باتفاقات أو بمعاهدات) ضامنةً عدمَ عودة الحرب الإسرائيلية على لبنان، فعلى الجهات الكبرى في لبنان أن تضمن عدم عودة المتاريس إلى لبنان.
وهذا الضمان لا يكون بالقول ولا بالوعود ولا بالتطمينات، بل بالفعل الميداني والسلوك العمَلاني. وما يشهده أهالينا اليوم في لبنان: ليس مواقعَ سياسية متباعدة ولا مواقف سياسية متراعدة، بل متاريس سياسية يقف عليها سياسيون من هنا وسياسيون من هناك، يهجو بعضُهم بعضاً، يستفزّ بعضُهم بعضاً، يتَّهم بعضُهم بعضاً، ويتناطحون على متاريسهم في وسائل إعلاميةٍ فاتحةٍ لهم شاشاتِها وإذاعاتِها ساحاتٍ للّعب على مشاعر الناس الوطنية وغرائز الناس السياسية والدينية والطائفية.
كلُّ هذا والمواطنون خائفون من احتدام المواقف، واصطدام المصالح، وارتطام التصاعد السياسي بوضع أمني خطير يخشى الناس أن يتفاقمَ وتعودَ الأجواء حروباً صغيرة في الداخل تتأفعن حرباً في لبنان على لبنان من لبنان.
كلُّ هذا، وشبابُنا خائفون من وضع داخلي غير مريح ولا مطَمْئن، وسط إشاعات مزرية في الداخل، وتلويحات مغرية في الخارج، فيسحبون آخر ثقة لهم في وطنهم، وينسحبون إلى وطنٍ تكون فيه دولة وليس فيه زعماء مزارع وقبائل وعشائر يهدِّد بعضهم بعضاً غير آبهين بخوف الناس وقلق شبابنا على مستقبلهم بين أقطاب اصطفافات سياسية تتناهش مستقبل لبنان.
وإذا كانت الدولة سعَت مشكورةً إلى تركيب جسور مؤقتة على الطرقات المهدمة، فالمطلوب اليوم تحاشي الحلول المؤقتة في قلوب الناس، لأن الجسر المؤقت يُستبدَل بجسر أصيل ذات يوم، أما الحل المؤقت فثقة موقوتة، حين تنهدم لن تستطيع الدولة إعادة بنائها، لأنها تكون هاجرَت إلى دولة أخرى يرتاح فيها أهالينا وشبابنا هناك إلى ثقة لا يهدمها أحد، ولا تحتاج إلى إعادة بناء.
المطلوب اليوم، بعد إزالة الحصار عن أجواء لبنان، إزالةُ الخوف عن أبناء لبنان.