529: لا ساحة ولا فندق ولا رصيف
(الأحد 3 أيلول 2006)
في تعريف الساحة أنها رزقٌ مُشاعٌ لا يخص أحداً ولا يسيطر عليه أحد، وتالياً يطأُه من يشاء.
وفي تعريف الفندق أنه رزقٌ مَملوكٌ يَخُصُّ أحداً ويديره أحد، وتالياً يزوره من يشاء ويغادره حين يشاء.
وفي تعريف الرصيف أنه رزقٌ عامٌّ يَخُصُّ جهة عامة، يسير عليه من يشاء أو يَجلس أو ينتظر.
وفي هذه الثلاثة التعريفات لا مكان للوطن، ومن الجُرم أن نشبِّه الوطن بواحد من هذه الثلاثة التعريفات.
وإنّ وطناً يصبحُ ساحةً يُمسي مُشاعاً، ووطناً يصبح فُندقاً يُمسي مفرغاً، ووطناً يُصبح رصيفاً يُمسي مَحطة عابرة.
أمام هذا الثالوث، يتساءل المتنوّرون من جيلنا الجديد، جيلِ شبابنا الذين هاجروا، أو الذين يتهيَّأُون للهجرة، أو مَن لا طاقة لهم على الهجرة لكنهم يفكرون بها ليل نهار.
أبناؤنا المتنوّرون الذين يدركون يتساءلون: حكامُ لبنان، الرؤساء، الوزراء، النواب، المسؤولون السياسيون والإداريون، ما الذي فعلوه كي لا يكون لبنان ساحةً ولا فندقاً ولا رصيفاً.
بِمَ حصَّنوه، منذ نصف قرن حتى اليوم، كي لا يعود ساحةً مفتوحةً للآخرين نستقبلهم فيها، نتبنى شعاراتهم، نتحمس لقضاياهم، نرفع يافطاتهم، نتأدلَج بعقائدهم، نتظاهر مطالبين بنصرتهم على أن قضيتَهم قضيتُنا، ومشكلتَهم مشكلتُنا، حتى إذا اقتتل الآخرون في ما بينهم يتطاحنون عندنا فيوقعون الخسائر على أرضنا وفي شعبنا وعلى حساب اقتصادنا!
بِمَ حصَّنوه، منذ نصف قرن حتى اليوم، كي لا يعود فندقاً للآخرين يمارسون فيه اجتماعاتهم السرية وترفهم التسلويّ وسياحاتهم الترفيهية حتى إذا ادلهمت فوقه السماء غادروه بسرعة ناجين بأنفسهم وجارّين معهم كل مرة أعداداً من لبنانيين يغادرونه كأنه لا يعنيهم فيحزمون حقائبهم ويرحلون إذ لا يشعرون بالانتماء النهائي إليه لأنه فندق لهم ولسواهم!
بِمَ حصَّنوه، منذ نصف قرن حتى اليوم، كي لا يكون رصيفاً للمرور أو للجلوس أو لإفراغ البضائع والأَسلحة والمواد المشبوهة ثم إذ يفرغُ تفرغ الأرض حتى من أبناء الأرض!
من أين يبدأ المسؤولون عندنا؟ من هنا: أن يُحصِّنوا لبنان كي لا يعود ساحةً ولا فندقاً ولا رصيفاً، بل كي يصبح وطناً ويُمسي وطناً يغدو الانتماء إليه أعمقَ من ساحةٍ للإيجار، وأمتن من فندقٍ عابر، وأقوى من… هامشية الرصيف.