الحلقة 527: ديناميّة المجتمع المدني اللبناني
(الأحد 27 آب 2006)
في اجتماع عامّ عقدتْهُ الشبكة الوطنية اللبنانية لمؤسسة آنّا لينْد الدولية، بدعوة من رئيستها الأمينة العامة للّجنة الوطنية اللبنانية لمنظمة اليونسكو، السيّدة سلوى السنيورة بَعاصيري، بدا ساطعاً حجمُ عملٍ جبار قامت به هيئات رئيسة من المجتمع المدني في لبنان، خلال حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، من مساعداتٍ وإعاناتٍ وإغاثاتٍ ومبادراتٍ وأعمال تطوُّعية إنسانية ومُواطنيّة وصحية ومدنية وتربوية في جميع المناطق المنكوبة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال إلى عمق البقاع إلى حضن الجبل.
هذا عما كان خلال الأسابيع الخمسة الماضية. أما عن المشاريع التي اقترحتْها للمستقبل القريب هيئاتٌ ناشطةٌ في مُجتمعنا المدني، فذاتُ طُموحٍ مُواطنيّ كبير يبشِّر بنهضةٍ وشيكةٍ لإعادة ترميم المُوَاطَنَة اللبنانية على مستواها الأرفع. من تلك المشاريع عقد لقاءات شهرية لشباب من مختلف المناطق والانتماءات وصهرُهم في حوار بناء، إصدار ملحق خاص للأوريان لوجور يضم أعمالاً فنية وثقافية للتأكيد على استمرار الحياة الثقافية المستمرة في لبنان، تأمين مكتبات للأولاد في المناطق ومكتبات متجولة في باص خاص لإيصال الكتاب والوسائل التربوية التثقيفية إلى المناطق النائية.
وبقدْر ما بدت جليّةً حماسةُ ما اقترحه ممثلو هيئات المجتمع المدني اللبناني، وما رووه من لهفة عودة النازحين إلى بلداتهم ولو مدمّرةً ولو سيسكنون خياماً مكان بيوتهم المهدمة، بدا فاجعاً من الناحية الأخرى نقصٌ كبيرٌ في ثقافة المواطنية لدى ردحٍ كبير من اللبنانيين النازحين أو الصامدين في أرضهم المقدّسة: نقصٌ في التوعية الأساسية، التوعية البيئية على تجنب التلوث المنْزلي والمحلي، التوعية الصحية (خصوصاً لدى الأمهات والأطفال من حيث النظافة والتدابير الوقائية الصحية)، التوعية السياسية على الخروج من عمى التبعية والزبائنية، التوعية المدنية على تصرُّف الأفراد، التوعية الوطنية على حقوق المواطَنة أفراداً ومجموعات، وهذا يشير إلى غياب مطلقٍ لهذه الحقوق وتلك التوعية غافلةٌ عنه الدولة بسبب إغفال سياسيي تلك المناطق الذين بدا واضحاً إهمالُهم تلك التوعية وإبقاؤُهم على تلك الأوضاع البائسة خوف وعي المواطنين على حقيقتهم وانتفاضتهم ضد التبعية والزبائنية والاصطفافية والغرائزية الدينية والسياسية، وهي العناصر التي تقوم عليها زعامات الكثيرين من “بيت بوسياسة” في لبنان.
بلى: المجتمع المدني في لبنان ذو دينامية رائعة، حبذا لو تستعين بها الدولة فتوظّفها في هذه المرحلة بالذات، لتنهضُ لا إلى ترميم المجتمع اللبناني بل إلى تأْسيسه على بنية تحتية مواطنية متينة هي التي، بعد أجيال قليلةٍ، تُطلع بنيةً فوقية تجعل الحكم في لبنان خلاصاً للمواطنين اللبنانيين، لا جلجلةً ينصلبون عليها كل يوم لأن جلاديها السياسيين يعرفون تماماً ماذا يفعلون.