الحلقة 508: في مثل هذا اليوم: عاصي الرحباني
(الأربعاء 21 حزيران 2006)
اليوم: أول الصيف. وفي مثل هذا اليوم، غاب قبل عشرين عاماً، كما ليلبي النداءَ الذي هو قاله: “حبيبي قال انطريني بأول الصيف، لَما بيجي الصيف، وْ عَ الحقله اسبقيني”.
واليوم، عيد الموسيقى. وفي مثل هذا اليوم، غاب قبل عشرين عاماً، كما ليؤكد ما قاله هو عن أولوية الموسيقى في حياته حين تحدث عن أستاذه الأب بولس الأشقر فقال: “لَمّا مرق بونا بولس بِضيعتنا أنطلياس، نَدَهْنا من طفولتنا التايهَه، وعلّمنا الموسيقى. يومها كنا نِجهَل شو الموسيقى. ندَهْنا وخبَّرنا عن الفن، عن الدخول للمطارح الغميقَه بالضمير الكبير. علّمنا النوتَه والنظريات الموسيقيِّه والألحان الشرقيِّه. علّمْنا السهَر عَ الكلمِه. علّمْنا إنو قدّام ابواب الفن مِنضلّ تلاميذ. بس أهم شي تعلّمناه من بونا بولس: هوّي فرَح الإنسان بولادة الجمال”.
وكم تختصر حياتَه هذا الكلمات: الموسيقى، الفن، المطارح العميقة في الضمير الكبير، السهر على الكلمة، فرح الإنسان بولادة الجمال.
عاصي الرحباني،في كل ما كتب ولحّن ظل تلميذاً يرقى في مدارج الفن حتى أَسْتَذَ جيلاً كاملاً على الجمال.
من هنا تكرّس ومنصور لزرع بذور الجمال في الناس، فلا يحصد المتلقي إلاّ سوسن الجمال في كل حقل، وما أجمل وأنقى حصاد الجمال من حقول السوسن.
ويكون أن يتوِّجَ حرصَ عاصي ومنصور على الجمال، صوتُ فيروز الطالع من أنقى ينابيع الجمال، ليكتمل ثالوث رحباني منذ نصف قرنٍ أشعل في لبنان الفن منارةَ جمالٍ رائعةً لا تزال مضيئةً شعلتُها على عصر كاملٍ لم يعُد مُمكناً تأريْخُه دون التوقُّف عند الشعلة الرحبانية.
اليوم أول الصيف. واليوم عيد الموسيقى. وفي مثل هذا اليوم قبل عشرين عاماً، غاب عاصي الرحباني الذي ما زالت بَصَماتُهُ مضيئةً على حقول السوسن في لبنان.
في مثل هذا اليوم، وفي كل يوم، عاصي الرحباني الحاضرُ بغيابه الكبير.
يا عاصي الكبير: أطال الله عمر غيابك.