الحلقة 475: بين السياسة الأهلية وأهلية المجتمع
(الأحد 26 شباط 2006)
إذا كان صحيحاً أنّ معظمَ مرافقِ الوطنِ اليوم مشلولةٌ كُلّياً أو جُزئياً، بسبب ما يجري اليوم في لبنان على المستوى السياسي، رئاسيِّه أو حكوميِّه أو برلُمانيِّه أو شعبيِّه الواسع، وإذا كان صحيحاً أن الناس منقسمون بين سياسيٍّ وآخَر، بين اتّجاهٍ سياسيٍّ وآخَر، فهذا لا يعني أنْ يتعمَّم على مفاصل المجتمع شلل مؤذٍ يولِّده غيابُ هيبة الدولة عن البنية المدنية في البلاد.
فثمة مرافقُ في الدولة لا علاقة لها بأزمة رئاسة الجمهورية ولا بالأداء الحكومي ولا بالركود الاقتصادي في البلاد، وتفترض من المواطنين الالتزام بالأخلاقية المدنية على مستوى الشعب، بصرف النظر عن غياب الدولة أو حضورها على الطرقات أو في المؤسسات العامة أو دوائر الدولة، ما يفترض أن يكون للمواطن اللبناني رادعٌ ذاتيٌّ عن مُخالفاتٍ وتجاوزاتٍ فرديةٍ تؤذي الآخرين وتؤذي المجتمع وتؤذي الوطن.
ما علاقة الوضع السياسي برمي النفايات على الطرقات العامة، أو عدم الحضور إلى الوظيفة، أو الفحش في قبول الرشاوى أو مُخالفة أنظمة المرور والسير والوقوف أو الالتزام بالقوانين العامة؟
تَمر جميعُ الدول بِمآزقَ سياسيةٍ أو حكومية أو مالية أو اقتصادية، لكن الدولة تظل حاضرةً على الطرقات وفي المؤسسات العامة، فلا تَعُمُّ الفوضى الشارع، ولا تَعُمُّ التجاوزاتُ مفاصلَ الدولة، ولا ينفلتُ المواطنون في عبث عشوائي بِمرافقَ في الوطن هي مُلكُ المواطنين لا ملك الدولة وأسياد الدولة والسياسيين في البلاد.
مرافقُ الدولة اللبنانية مُلك اللبنانيين أياً تكن اصطفافاتُهم السياسية وميولهم الحزبية والاتجاهية والتيارية والإيديولوجية والشعبية، فالسياسيون اليوم عابرون ولن يكونوا غداً أو بعد غد، لكنَّ الدولةَ باقيةٌ غداً وكلَّ يوم، والوطنَ باقٍ لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا. وإذا لم نستطع أن نترك لهم وطناً ذا أهلية سياسية أو مجتمع لائق التأهيل، فلنتركْ لهم على الأقل وطناً سليم البنية التحتية يبنونه هم ببنية سياسية نأمل أن تكون أفضل مما تركناه لهم نحن من موازييك سياسي ليس في جميعه ما يرفع رأسهم من بعدنا.