الحلقة 378: عبيدو باشا وذاكرة الأغنية السياسية
(الأربعاء 3 آب 2005)
أفضَل الكتب النقدية، تلك التي تؤرخ ولا تكتفي بالتحليل. وزميلُنا عبيدو باشا، كاتباً في “السفير” أو مديراً برنامجه اليومي “صباح الخير يا لبنان” من تلفزيون لبنان، يؤرخ للحركة الثقافية اللبنانية بقلمٍ ثقيف، ويتلفز النشاط الثقافي اللبناني بِتسجيله ذاكرةً للمستقبل.
كتابه الجديد “موت مدير مسرح – ذاكرة الأغنية السياسية” لا يَمُرّ أفقياً على الأغنية السياسية مُحلِّلاً أو قارئاً مَحاوِرَها أو مسجِّلاً مفاصلَها، بل يعود مرآتياً إلى جذورها، عناصرَ ومكوّنات، ليَخْلُص إلى تَمظهُرها الحالي أعمالاً وأعلاماً، وتردُّداتِها الميدانية إعلامياً وشعبياً.
وهو في جميع فصول الكتاب (الصادر عن “دار الآداب”) لا يكتب بالقلم بل بالمِجهر، ولا يقرأ بعينيه بل بذاكرته الثقيفة، هو المتابعُ الدؤوبُ مراحلَ الأغنية السياسية، ناقداً صحافياً أو ناشطاً إعلامياً أو مشاركاً مسرحياً أو مستشاراً فنياً صحافياً، ما يؤهّله الكلام على الموضوع من قلب الموضوع لا من هوامشه ولا من خارجه.
وفي كتابه هذا، يؤرخ عبيدو باشا لِحركة مفصليةٍ عضويةٍ في ذاكرة الأغنية السياسية، من تلميحها في مسرح الأخوين رحباني إلى تصريحها مع زياد الرحباني ومرسيل خليفه وأحمد قعبور وسائر شلّة زاولت الأغنية السياسية بكل مزالقها، ومتغيِّراتِها الموقعةِ أصحابَها في خيباتٍ تصاحب عادةً موجات سياسة لا تستقر على شاطئ دائم.
ومع أن عبيدو باشا سعى في كتابه إلى أن يكون موضوعياً، فيرى من بعيدٍ ومن خارج، وإن هو ضالعٌ في الوسط الذي يكتب عنه، فكتابه جاء شهادةً بالغةً وبليغةً على لونٍ من فننا، وشلّة من فنانينا، أَرَّخوا حقبةً هي من العصب في تاريخ لبنان الحديث، لن يكون مُمكناً تأريْخُها والحديثُ لاحقاً عنها، من دون العودة الدراسية والأكاديْمية معاً إلى كتاب عبيدو باشا “موت مدير مسرح – ذاكرة الأغنية السياسية”.