الحلقة 358: النداء الثالث الى الرئيس السنيورة: وزارة الثقافة ليست وزارة شحَّاذين
(الأربعاء 6 تَـمُّـوز 2005)
كنتُ لا أزال في منآي المؤقت على بحيرة الليمون في فلوريدا، حين صَدَرَت تشكيلةٌ حكومية فيها وزارة للثقافة كم كَتَبنا نطالب بها قبلذاك بسنوات، وتولاّها يومها الوزير الثقيف ميشال إدّه فاحتضنها في مكاتبه لفقدان مقر لها. وحين عدت إلى لبنان نهائياً سنة 1995 وجدتُ الوزارة لا تزال مشرّدة بدون بيت ثم اتّخذت بيتاً لها في الستاركو، لكنها بقيَت مشرّدةً تائهة بدون هيكلية، المثقّفون يطالبونها بمساعداتهم، والوزراء المتعاقبون يتأففون من الحاح المثقفين، وباب الوزارة ينوء تحت قرع المطالبين كأنهم شحّاذون وليس المثقفون شحَّاذين ولا بِحال.
ونادراً ما التقيتُ مثقفاً منتجاً إلاّ وهو يطالب الوزارة بمساعدة مصروفةٍ له لم يتسلّمها بعد حتى تكاثرت المعاملات الموقّعة من الوزير وتضاءلت المبالغ المقبوضة. وفي الحالين، بقيت صورة وزارة الثقافة كأنها بقرة حلوب يقصدها المثقفون، لا وظيفة لها إلا توزيع المنح والمساعدات ومبالغ الدعم، حتى انطبعت صورتها في ذهن وزرائها والمسؤولين والدولة عموماً كأنما هي وزارة عبءٌ على الدولة، وزارةُ صرف لا وزارة إنتاج، وزارة دفعٍ لا وزارة تحصيل، فتضاءلت إلى الحدّ الأدنى موازنتُها التي قلّصتها موازنة الدولة إلى ما دون 2%، وتحديداً 1،19%، وهو مبلغ بالكاد يكفي لدفع رواتب موظفين فيها ما زالوا بدون سلّم رتب ورواتب، وبدون هيكلية ثابتة، مع أن الهيكلية موجودة منذ سنواتٍ مطاطة في أحد أدراج مَجلس النواب.
كل هذا يجعل المرشحين لدخول الحكومة يُشيحون عن تسلُّم حقيبة وزارة الثقافة، لكونها أولاً غيرَ سيادية، وثانياً غيرَ خدماتية، وثالثاً مقرَّ نقّ المثقفين ومطالباتهم بالمساعدات حتى ليغدو وزيرُها موزِّعَ إعانات أكثر مِمّا هو وزيرٌ منشئٌ مشاريعَ خلاّقةً لهذه الوزارة التي هي موئل الخلاقين.
أما كيف تكون وزارةُ الثقافة وزارةً خلاّقة، وأكثر: رئيسية، وأكثر أكثر: وزارةً منتجة، فهذا ما نلقي عليه بعض الضوء غداً. فإلى حلقة الغد.