الحلقة 354 – الخروج من الديجور في تجمُّع أم النور
(الخميس 30 حزيران 2005)
تنشط هيئات المجتمع الأهلي عندنا بما لو كانت الدولة جزءاً منه ضئيلاً، لأمَّنت للمواطنين رفاهاً يجعلهم أبناء أسعد دولة في العالم. فيا حبذا لو خصخصت الدولة مؤسساتها الرسمية لهيئات المجتمع المدني.
بين أنشط المؤسسات غير الحكومية عندنا: تجمُّع “أم النور”، الذي بلغ عامَه الخامس عشر، وما زالت سجلاته تضيء بالإنجازات الإنسانية التي تشرّف المواطن وتشرّف الإنسان.
في هوية هذا التجمع أنه أول مؤسسة اجتماعية خيرية في لبنان للعناية بتأهيل المدمنين على المخدِّرات، وبالوقاية من سوء استعمال المخدِّرات ومن الإدمان عليها. ومن مراكز التأهيل الثلاثة في عشقوت وسهيلة وفيطرون، البلدات الكسروانية الصيفية الثلاث، تنطلق حملة مضنية متمكنة، قوامها أطباء نفسيون ومسعفون اجتماعيون ومؤهِّلون اختصاصيون، لا ليشخِّصوا الحالات ويعالجوها ويشفوها وحسب، بل ليذهبوا أبعد فيكتشفوا السبب الذي أدى بالمدمن إلى الإدمان حتى إذا اكتشفوه وعَّوا صاحبه عليه فساعدُوه على تخطي الإدمان بوعيه سببَ الإدمان وتالياً مساعدتِه على بداية الخروج من الإدمان. فمنطق التأهيل: وعيُ المدمن وأُسرتِهِ طبيعةَ المشكلة حتى يبدأَ العلاج، بالتئام المدمن وَحدةً متكاملةً على المستويات جميعاً، الإدراكي منها والعاطفي والعضوي والروحي ومن ثَمّ السلوكي.
ومن الحالات الكثيرة التي عالجها اختصاصيو “أم النور” في صفوف المراهقين والمراهقات، والرجال والنساء، والقواصر والحوامل، يتبين، في ما يذهل فعلاً، كم ان هذا التجمُّعَ النبيلَ يرفد المجتمع المدني اللبناني بفائدة عظيمة تُعيد إلى المجتمع السويِّ أفراداً جنحوا وشذُّوا وتاهوا وضاعوا وانزلقوا بين مخالب الإدمان الشرس المتوحش، فإذا بالتأهيل الدقيق في كنف “أم النور” يعيدُهم إلى الحياة الطبيعية السوية فيُرجعهم أسوياء إلى مجتمعهم وأُسَرِهم وأصدقائهم، وبيئتهم أعضاء فاعلين ناشطين أصحاء، يروون تجاربهم وسقوطهم وشفاءهم من آفة الإدمان على المخدّرات.
ومشاركة “أم النور”، الأحد الماضي في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، شهادةٌ واضحةٌ كم أن هذا التجمع النبيل منارةٌ حقيقيةٌ في المجتمع اللبناني، ينقل المدمنين من الديجور إلى النور، من الإدمان المريض إلى الإمعان العريض بـبناء مجتمع لبناني صحي سليم، في طليعة أركانه الصحية: متطوعو تجمع “أم النور”. جزاهم الله خيرَ فعلِهم العظيم.